غسان الجمعة |
يزخر تاريخ الشعوب بوجود العدد من التجارب الناجحة في استخدام المقاومة الشعبية كوسيلة من وسائل التحرر والانعتاق من الأنظمة الديكتاتورية والسلطات الاستعمارية
إن الأسلوب النضالي المبني على دعم الحاضنة الشعبية في وجه السلطة حق تكفله القوانين والأعراف الدولية لكل الشعوب من أجل نيل حريتها واستقلالها بأشكاله النفسية والاجتماعية والسياسية وحتى العسكرية بالمعنى الواسع للمقاومة الشعبية.
ولعل انطلاق جذوة هذا النضال من جديد في الجنوب السوري في مواجهة المنظومة الاستبدادية الحاكمة له مبرراته السياسية والعسكرية والاجتماعية بعد اختلال موازين القوى وسيطرة الأسد على معظم مناطق المعارضة السورية، وإن ذلك النضال لهو بديل إستراتيجي في آلية الوصول لتطلعات الشعب السوري في الحرية والكرامة.
إن سيطرة النظام السوري على مناطق المعارضة ليست إلا سطوة أمنية قمعية وصلت إلى ذروتها بإمكانية الاعتقال والتصفية وممارسة طقوس التأبيد والتخليد بالتماثيل واللافتات، في حين ما زالت تلك المجتمعات المدنية تحمل نواة التغيير والحرية في ألبابها وتحديداً تلك التي تذوقت معنى الحرية على مدار عدة سنوات وهي ما تزال تنشدها بمهجها وأفئدتها، وهنا تكمن معضلة الاستبداد في كيفية قتل الفكرة والحلم.
ربما تحقق للأسد من أركان ديكتاتوريته عنصران هما السلطة والأرض، غير أن حلقته المفقودة في معظم الأراضي التي سيطر عليها بالحديد والنار تفتقد عنصر الشعب بمعناه المدني المتعاون والمتفاعل مع مظاهر السلطة وإرادتها في الإدارة والالتزام والتقيد بالأنظمة والقوانيين والتفاعل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي إن أفسح المجال لذلك.
وبالتالي فإن مظاهر الاستسلام التي يسوق لها النظام السوري لا تعني الخضوع المطلق من قبل المحكومين بسلطته المفروضة، وهي حالة نفسية اجتماعية تترجم على الأرض بحالة من الشلل وفقدان الثقة والخوف مع توفر عنصر (الأمن والأمان) الذي لطالما طبل له النظام السوري.
حالة العصيان التي ظهرت في الجنوب السوري من خلال رفض الشباب الانضمام لجيش الأسد، وعصيان الأوامر من قبل من انضم، والتفاوض مع وفود روسية بدلاً من سورية، وعودة انتشار العبارات المناوئة لنظامه على جدران الأحياء، وتطور هذه المظاهر لتنفيذ عمليات ضد مفارز عسكرية أدت إلى مقتل العشرات من عناصره، ستؤتي أُكلها السياسي عاجلاً أم آجلاً، فحالة عدم الاستقرار التي ستخلقها هذه المظاهر لن ترضي حلفاءه المتعطشين لبيئة آمنة يتم فيها جني الأرباح وخصوصاً في حال امتداد هذه الحالة على مساحات جغرافية أكبر.
كما أن هذه البذرة المتمردة في مناطق نفوذ الأسد ستفسد عليه بئته الخانعة بشكل تدريجي، وستتأثر بمطالبهم تلك الفئة الرمادية التي عانت وما تزال من فساد منظومة السلطة وقمعها.
اليوم هناك من ينكر ويصنف على هواه شرائح المجتمع السوري، وعلينا نحن السوريين إدراك حقيقة أن بين من بقي في مناطق الأسد هو خير منا، لأنه آثر على نفسه البقاء تحت الخطر ليعيد إنتاج ما آمن به بطريقة أخرى وفي ظرفه المناسب، فتكرار التجارب بالعناصر والطريقة نفسها لن يغير النتيجة، فالهدف واحد وإن تعددت المسالك.