تُعرف السياسة بأنها فن الممكن، أي أن الممارسة السياسة تقتضي منك أن تحاول الحصول على كل ما تستطيعه من مصالحك بكل الأساليب الممكنة.
في الحقيقة أرى أن هذا التعريف للسياسة مجحف كثيرًا بحقها بما أنها أداة وفن يدير العالم، ويعمل السياسيون من خلاله لتوازع القوة والمصالح والنفوذ، والعمل السياسي أو الممارسة السياسية هي الأداء المطلوب في أعلى هرم السلطة، وفي مختلف مفاصلها ذات الأهمية.
الممكن هو شيء لا يحتاج حقيقة للسياسة، يحتاج للسمسرة فقط، لإتقان فنون التزلف للحصول على ما يُمكن أن يُعطى لك، بينما السياسة هي لعبة غير الممكن، هي لعبة الحصول على المكاسب الإضافية، لعبة التحضير للمواجهة، لعبة ديبلوماسية القرار ومرونة التموضع، وتقديم الممكن وليس الحصول عليه، من أجل الوصول إلى غير الممكن، فالسياسي لا يتماهى مع الظروف من أجل أخذ ما هو متوفر، بل يتلاعب بالظروف من أجل الوصول إلى مكاسب جديدة.
ليست مهمة السياسي أن يخضع لقوانين المواجهة بل مهمته أن يكسب الوقت ويصنع قوانين جديدة يستطيع فيها تحقيق النصر في المواجهات القادمة، أمّا الاستسلام للواقع والتحرك ضمن أطره الضيقة فذلك لا يخلق عملاً سياسيًّا، إنما عَمالة سياسية مهمتها تنفيذ الأوامر فقط، بدعوى أن شروط القوة غير متوفرة للحصول على أكثر ممَّا هو متاح، وليس بالإمكان أفضل ممَّا كان.
السياسة لا تحقق النصر، ليست مهمتها أن تفعل ذلك، لكن مهمتها أن تضمن شروط مواجهة أفضل وأن تحضر أرض المعركة بكل المكتسبات التي يمكن من خلالها إحداث فرق، والواقعية السياسية ليست استسلام، إنما هي فهم لموازين القوة وكسب الوقت من أجل إعداد أفضل لمرحلة قادمة.
أمّا الاستسلام والذهاب حيث يريد عدوك فهذه ليست واقعية ولا سياسة، إنها فن الممكن، الممكن دائمًا والسهل جدًا، والمتاح متى أردت، إنها هزيمة، أو تحسين في شروط الهزيمة ومجالاتها التعبيرية.
المدير العام | أحمد وديع العبسي