تقول سلمى: “بدأت قصتي بموت أهلي جميعاً، أقبلت على هذه الحياة طفلة وحيدة فقدتُ معنى الطفولة، فقدتُ أبسط حقوقي بحرماني كلمة بابا وماما وعشت حياة اليتم والأسى إلى أن تبنتني عائلة كريمة غمرتني بالحب والحنان واعتبرتني فرداً منهم ولم يشعروني يوماً قط أنّني لست ابنتهم، نشأت بينهم وتعلمت ودرست وأصبحت ممرضة.
عملت في مجال التمريض في مشفى الخميني في السيدة زينب في مدينة دمشق، ومن هناك بدأت قصة المعاناة، حيث أخبرنا أحد الممرضين، وكان من ريف إدلب، أن قوات المعارضة بحاجة ماسة إلى العلاج، وسألنا عمَّن يرغب في مساعدتهم، وبالفعل ذهبنا 4 ممرضين و4 ممرضات، كنا نذهب كل يوم لمعالجة الجرحى في نقاط ميدانية في أي مكان يُطلب فيه المساعدة، علمنا لاحقاً أنّنا كنا نتبع لمنظمة تسمى (منظمة الأسير) لم يقتصر عملنا على إسعاف الجرحى بل بدأنا بتحريض الشعب ضد النظام الجائر وإقناعهم على عدم الخنوع تحت ظل النظام المجرم.
استلمنا كميرات صغيرة كانت على شكل عدادة تسبيح لتصوير نقاط النظام وتصوير الحواجز التي نمرُّ بها. بقي يعمل الفريق ستة أشهر دون أن يعلم أحد بأمرنا، وذات يوم قامت قوات النظام باعتقال كافة أعضاء الفريق دون سابق إنذار، واستطعنا التخلص من الكميرات التي بحوزتنا فوراً، ودام اعتقالنا مدة 12 يوماً تحت التعذيب، استخدموا علينا أقسى أنواع العذاب، تفننوا في تعذيبنا مثل الصدمات الكهربائية التي تتلف الأعصاب والعود الكهربائي والجلد المتواصل ليلاً نهاراً ثم رشنا بالماء المثلج وحبسنا بالغرف الانفرادية التي لا تتسع سوى شخصاً واقفاً على قدميه بالإضافة إلى التعذيب النفسي مثل التوعد يقلع عيوننا والكثير من الأساليب الوحشية، ورغم كل أساليب التعذيب لم نعترف بأي شيء عن طبيعة عملنا أو الجهة التي كنا ننتمي إليها، فحولونا إلى سجن عدرا وهناك مكثنا 40 يوماً تحت التعذيب أيضاً، وعندما يئس النظام من اعترافنا قاموا بصبِّ الأسيد على رؤوسنا وذوَّبوا جلودنا واستشهد على أثر التعذيب شاب وفتاتان من الفريق.
قام النظام برمي باقي الشبان والشابات من فريقنا على أحد الجسور في دمشق، فوجدنا شخص وقام بنقلنا إلى المشفى، وبعد أن تلقينا العلاج وصحونا بعد عدة أشهر وجدنا أنفسنا بالمشفى وبدأ الهلال الأحمر بالاستفسار عمَّن قام بتعذيبنا بذاك الأسلوب الهمجي، فعلم النظام بأمرنا وعلى الفور جاء الضابط الذي قام بتعذيبنا إلى المشفى وهددنا في حال تكلمنا بأي شيء وكشفنا أن النظام من قام بحرقنا فإنهم سيحرقون أهلنا وأحبابنا، وبالفعل لم نعترف خوفاً على أهلنا.
أخبرنا هذا الضابط أن واحدة من الفريق هي التي كانت تخبر الأمن بتحركات الفريق وهي (ريم الجندلي)
وتواصل سلمى حديثها قائلة: “تم التخلص ريم من قبل أحد أعضاء الفريق بعد اعترافها بخيانتها وتسببها بقتل رفاقنا والعديد من الأبرياء، بعد ذلك قامت (جماعة الأسير) بنقلنا إلى لبنان، وهناك أجريت لنا بعض العمليات الجراحية والتجميلية، وبعدها عدت إلى سورية في الغوطة الشرقية وتابعت عملي بالتمريض، وفي إحدى المعارك أصبت بطلقة قناص ونقلت إلى لبنان للعلاج، قررت بعدها البقاء في لبنان، فقامت ما تسمى بمنظمة القصير بملاحقتي وهي تابعة للنظام، فسافرت إلى ألمانيا بطلب من جماعة الأسير مع ستة شباب وخمس شابات، وعملت هناك كناشطة إعلامية لمدة ستة أشهر، فعلمت بأمرنا القوى الألمانية فهربنا وعدنا أدراجنا إلى لبنان وبقينا هناك 20 يوماً، فلاحقتنا منظمة القصير مرة أخرى فهربنا إلى سورية إلى المناطق المحررة، وهنا انحل الفريق وذهب كل منا بحاله.
وبعد كل التضحيات والألم والأسى والمعاناة تخلت عنا المنظمة التي كنا نعمل لصالحها، فقررت الاستقرار والعيش مثل باقي النساء وتزوجت أحد المهاجرين، وبعد زواج دام بضع شهور استشهد زوجي بمعركة قرب ابن وردان بريف حماه.
وها أنا الآن أصبحت امرأة مهمشة حتى أني لا أملك ثمن رغيف الخبز، وأعيش عند أرملة لا تكاد تستطيع أن تأمن قوت أطفالها، وأشعر بالحرج كثيراً وحتى مجلس البلدة الذي أقطن فيه رفض إعطائي الإغاثة لأنني وحيدة ولا يوجد لدي أطفال.
أصبحت لا أملك ثمن ثوب لتغير ملابسي وأعيش في تشرد متواصل.
لم أستطع أن أذكر اسمي الحقيقي لأن النظام يعرفني وربما يؤذي أقاربي الموجودين في مناطقه، كل ما أرجوه هو حياة كريمة فقط، فيما تبقى لنا من هذه البلاد