منذ أكثر من أربعة أشهر والحديث لا يتوقف عن ضرورة إنشاء منطقة آمنة شمال سوريا، لحماية المدنيين من آلة القتل المستمرة لخمس سنوات، ولازالت هذه المنطقة لا تظهر سوى في الخرائط المتنوعة التي تشمل حيزاً جغرافيا وتتخلى عن آخر ، وكأن المفاوضات تجري على الشكل الأمثل المناسب للجميع بداية ، ثم يبدأ الحديث فيما إذا كانت هذه المنطقة ممكنة أو لا .
الموقف التركي يدفع كثيرا باتجاه اتخاذ قرار دولي بإنشاء المنطقة الآمنة، باعتبارها حاجة ملحة لدى الأتراك الذين يستضيفون مليوني لاجئ سوري، بينما تبقى المواقف الامريكية الأوروبية مترددة، تجاه حلفائها على الأرض وخصوصاً “الأكراد”، والحفاظ على توازنات معينة تجعل المشكلة تستمر أطول وقت ممكن، خاصة وأنها تضغط على تركيا الصديق والعدو بآن واحد معاً .
إلى الآن لا يوجد قرار حاسم بإنشاء المنطقة، سوى أن حسومات إعلامية كثيرة ظهرت فنالت من الجغرافيا حيناً ومن المواقف حيناً آخر.
العرب كالعادة يتفرجون، والروس زادوا نسبة الجريمة في موجهة أمان مفترض، وقاموا بضرب كل القوى التي من الممكن أن تكون شريكة في إدارة هذه المنطقة، ليس من أجل انهاء المشروع، بل لطرح مساومات جديدة خاصة بهم .
هناك من يرى من السوريين أن المنطقة الآمنة بداية تقسيم حقيقي لسوريا، وهي ليست حلاً سورياً على الإطلاق، وإنما استجابة لرغبة تركية فقط . قد تجعلنا قريبين جداً من سيناريو “السودان-دارفور” مع تغييرات بسيطة، حيث تقسم سوريا إلى دولتين ـ لتبقى مناطق شاسعة فيما بعد متنازع عليها، وعبء تحريرها من التنظيمات الإرهابية سيقع على عاتق الدولة الفتية، باعتبار أنها ستكون الأكثر عرضة لهجمات الإرهابيين “أقصد هنا سوريا الحرة أو الشمالية” .. وبالتالي سيتم خلق أزمة في المنطقة تستمر 10 سنوات قادمة على الأقل قبل أن تحسم الخلافات بقرار واضح من مجلس الأمن والامم المتحدة يحدد الدول الجديدة .
من ناحية عسكرية ستلعب المنطقة الامنة دورا كبيرا في انصراف كثير من السوريين عن القتال بعد خمس سنوات استنزفت كل ما يملكون، وسيتنفسون الحياة من جديد ليعودوا إلى أعمالهم دون اي مقاومة لمشروع التقسيم، وبالتالي سيخسر الجيش الحر حوالي نصف تعداده على الأقل، وستبقى الحرب حكراً على الميليشيات الأجنبية، التي ستتفق سريعاً على تقاسم ما تبقى . أو أنهم سيعملون على استمرار فوضى لا تنتهي إذا ما سلمنا بأن هذه المليشيات بمجملها تخدم أجندات تعمل على تدمير المنطقة .
التفجيرات الإرهابية والمفخخات والتصفيات السياسية ستكون هي الحاضر الأكبر في المرحلة المقبلة
ونحن حتى ذلك الوقت .. هل من شيء سوى الانتظار …
المدير العام / أحمد وديع العبسي