تتمحورُ أعمال المنظمات في المناطق المحررة على المشاريع التعليمية والتنموية والإغاثية، لكن الفترة الأخيرة شهدت تراجعاً واضحاً في العمل الإغاثي، حيث ابتعدت معظم المنظمات عن دعم المشاريع الإغاثية مقابل المشاريع الأخرى.
وابتعاد معظم المنظمات عن العمل في المجال الإغاثي يعكس فشلها في قيادة عملية الدعم التي تبدأ بتوفير المواد الإغاثية ذات النوعية الجيدة ثم إيصالها إلى مستحقيها عن طريق المجالس المحلية أو الجمعيات العاملة تحت إشراف المنظمة التي تعد المسؤولة الأولى عن نجاح المشاريع الإغاثية أو فشلها.
ومن أهم الأسباب التي تؤدي إلى فشل عمليات الإغاثة كالتوزيع وغيرها أنَّ المشرفين على عملية التوزيع سواء كانوا من موظفي المنظمة أو المجلس هم إمَّا مرتزقة أو فاقدون لأدنى سمات الإنسانية والتعامل مع المستفيدين.
ومن خلال زيارتنا للمجالس المحلية لابدّ أن ننوّه إلى أنّ عدداً لا بأس به من المجالس التي التقينا بها وحاولنا الحصول على تصريح منها يسبر مشكلاتِ المنظمات ومشاريعها، رفضوا الحديث عن أي منظمة خشية أن تقوم المنظمة بإلغاء اسم المجلس من قوائم التوزيع.
يقول أحد المدنيين: “المنظمات مستعدة لتحرم قرىً كاملة من مستحقاتها إذا ما حاول مجلس ما أن يكشف جزءاً من الفساد داخل المنظمة الداعمة، وبالمقابل فإنَّها تقوم بالتوزيع بناءً على قوائم مقدمة من قبل المجلس دون التأكد من صحة هذه الأسماء، لذلك فإنَّ المجلس يشاطر المنظمة فسادها ويمرر الأسماء التي يرغب بناء على صلة القرابة، أما حصة أصحاب المناصب في أي فصيل فإنَّها دوماً أضعاف مضاعفة بالنسبة إلى الإغاثة، وفي مجال التعليم نجد أنَّ اختيار العاملين في أي مدرسة يتم بمعايير لا تقل جشعاً عن تلك المتّبعة في الإغاثة.”
صحيفة حبر التقت رئيس المجلس المحلي في معارة النعسان ورؤساء المكاتب الإعلامية والإغاثيّة والتعليميّة فيه، وصرح المجلس: ” لقد شُكل المجلس منذ فترة ليست ببعيدة، والمشكلة التي تواجهنا هي أنَّ المجلس السابق يرفض تسليم الأوراق والمستندات للمجلس الجديد، ممَّا يثير تساؤلات عن السبب وراء ذلك، وخلال فترة عملنا قامت منظمة الإغاثة الإسلامية بتوزيع 395 حصة غذائية، وهذا العدد قليل بالنسبة إلى عدد النازحين في البلدة، كما قدَّمت منظمة IHH 800 حصة غذائية لجمعية عاملة داخل القرية دون الرجوع إلى المجلس ولم يتم التعرف على آلية التوزيع ومصداقيته.
وتعاني البلدة من التعتيم وقلة المشاريع الخدمية وفشل بعضها نتيجة قلة الاهتمام من قبل المنظمة، كما جرى مع منظمة Arche nova التي نفذت مشروعاً لتوفير المياه مع المجلس السابق، لكنه لم يحقق أدنى أهدافه نتيجة تهاون المنظمة وتقصير المجلس.”
أما في زردنا فإنَّ الوضع الخدمي والتعليمي في تراجع مستمر، ومن خلال اللقاءات مع أعضاء المجلس يتبين لنا سوء الوضع بشكل عام، فقد عبر المجلس بكل جرأة، وكشف أعمال المنظمات داخل القرية وتقصيرها وسوء قيادتها للمشاريع التنموية، ومن هذه الحالات نذكر:
“منظمة PEOPLE IN NEED طلبت من المجلس أسماء 400 عائلة بين مقيمة ونازحة لتوزيع قسائم شرائية، لكن التوزيع لم يستهدف إلا 220 عائلة، ممَّا خلق مشكلات كبيرة بين المجلس والأهالي، وتساؤلات كثيرة حول آلية اختيار المستفيدين.
وقامت ذات المنظمة بإحداث روضة، ورفعنا للمنظمة أسماء خمس مدرسات، لكننا تفاجأنا بعدم استجابة المنظمة، كما أنَّ هذه المنظمة تعمل بازدواجية واضحة، حيث يبلغ عدد عمال النظافة في زردنا عشرة عمال، فيما يزيد العدد عن 40 عاملاً في قرى أخرى أقل من زردنا مساحةً وسكاناً.
المجلس متعاقد مع منظمة GOAL في مشروع الخبز، لكن هيئة ساعد دخلت القرية دون التنسيق مع المجلس، وقامت بتوزيع الخبز غير الجيد بسعر 75 ل.س للربطة الواحدة.
منظمة البنفسج نفذت مشروعاً زراعياً (حدائق منزلية) عن طريق توزيع سلال تحوي مواد تتراوح قيمتها بين 200 و 250 دولار، لكننا تفاجأنا بأنَّ المنظمة وزعت مواد منتهية الصلاحية، كما أنَّ تكلفة الحصة الواحدة لم تتجاوز تكلفتها 3000ل.س مع تفاوت في نوعية المواد، ممَّا خلق مشاكل بين المستفيدين، والواضح من عمل المنظمة أنَّها تتوجه في عملها إلى المدن أو إلى المناطق التي يقطن فيها موظفو المنظمة دون الالتفات للقرى الصغيرة التي يعتمد فيها القطاع الخدمي من نظافة ومياه على الجباية من المواطنين نتيجة عدم وجود منظمة داعمة لمشاريع خدمية.”
وبذلك يكون الفساد الشخصية البارزة والبطل الوحيد في قصة العمل “الإنساني” بين المنظمات المدنية والمجالس المحلية مع غياب كامل لأي جهة رقابية تضع حداً للفساد والسرقات المنتشرة في المشاريع المختلفة، أو ربما تكون الجهات الرقابية مشغولة بممارسة الفساد هي الأخرى، وبين فساد تلك وتقاعس هؤلاء يضيع شعب كامل يتهافت أبناؤه لصيد لقمة عيش من يد مستغلٍ فاسد.
يتبع…
1 تعليق
Pingback: صراع الإغاثة والخدمات في كنف المجالس والمنظمات – ملفات الفساد 3 | صحيفة حبر