لا ينسى المهجر أرضه، ولا يبيع ذاكرته، ولا تهدأ روحه مالم يحلم بالعودة إلى وطنه كل يوم، أما أولئك الذين نخرَ اليأس أحلامهم فهم يعيشون في المنافي كقطعان الماشية يأكلون ويتكاثرون.
جميع المهجرين في العالم لهم العادات نفسها ، والالتقاطات نفسها للجزئيات الاعتيادية التي تتحول عندهم لمقدساتٍ لا يسمح بالاقتراب منها، لأنها بالنسبة إليهم كل ما يعبر عن الوطن، طريقتهم في شرب قهوة الصباح، صوت فيروزهم، نثر الماء أمام باب الدار، لوحة بلا معنى تحمل ذكرى جدار بيت قد أحالته الحرب أنقاضاً، بعض الألبسة القديمة، لا تحاول أن تجادلهم في أشيائهم لن تفهم معناها، ولن يكترثوا لكلامك حولها، بالنسبة إليهم يجب أن تقف عجلة الزمان في مكان ما يشدهم إلى أرضهم كلما خنقتهم المنافي واستوحشت نفوسهم غربتها. تجد أن لهم نبرتهم نفسها الممتلئة بالإصرار بالدفاع عن العادات والتقاليد والحقوق، لديهم الدموع نفسها عند سماع القصص المشابهة .. تلك الدموع التي تُحبس في العين لكيلا تعلن الاستسلام وتتمسك بالأمل الذي يراودهم كحلم يستعصي على الفناء
لا تحاول النيل من مهجَّر، فقد خسر أغلى ما يمكن أن تتم خسارته، أرضاً كان يضع روحه في سبيلها، فسلبت الأرض وبقيت الروح مشتعلة بإصرارها وثأرها وعزيمتها، وحلمها بالعودة.
المهجرون .. هم القوة التي ستعيد للعالم اتزانه، وسيعلم المجرمون أي خطأ ارتكبوا في إبعاد العشاق عن أوطانهم، لن تنتهي معركة تخلِّف وراءها عدداً كبيراُ من المهجرين، إنهم سيل لا يمكن الوقوف في وجهه، ولا يمكن تجاوزه إذا حمله القدر يوماً.
ستعود كل الذكريات الملحّة لتوجد في عالم الحقيقة ولن تموت مع أصحابها بل ستستحيل كوصايا مقدسة تتناقلها الأجيال لتصبح الدماء رخيصة في سبيلها، ولن يهدأ ضجيج المهجرين ولن تستقر الأرض تحت أقدامهم. إن أعينهم ستغادر كل يوم لتطمئن على حجارة البيت وخرابه الجميل.
لا شيء أغلى من الوطن والحرية .. لن يعرف معنى تلك العبارة إلا المبعدون عن أوطانهم .. وسيراها عادية جدا أولئك الناس الذين يرتعون في أماكن الصبا والشباب،
إنه قهر سينتصر.. وثأر لا يزول
المدير العام | أحمد وديع العبسي