من المصطلحات التي ترددت كثيرًا في الفترة الأخيرة، مصطلح (المواطنة)، فلا يكاد مجال من المجالات إلا ويزين خطابه بهذه الكلمة، في الصحافة والإعلام، والاقتصاد، والسياسة، والدستور، وفي دورات التنمية البشرية والإدارة الذاتية، وفي النسويات العامة والخاصة، وفي الإغاثة وإعادة الإعمار، والمفاوضات وبناء السلام، وحتى في فهم تحقيق التغيير، والخطابات الدينية المختلفة.
هذا التكرار يجعلك تشعر أن (المواطنة) هي التعويذة السحرية التي ستعيد الأمور إلى نصابها في البلاد، وتحقق السلام والعدل والحرية، والمساواة أمام القانون … طبعًا هذا الكلام ينطبق على عدد من المصطلحات المشابهة التي يكتب لها الرواج بين فترة وأخرى، ثم تنطفئ لمصلحة مصطلحات مشابهة.
بالنسبة إلي لا أريد التشكيك في ذلك مطلقًا، فربما كانت المواطنة هي فعلاً أحد الحلول السحرية التي يتم العمل عليها لتحقيق التغيير المنشود في المجتمع، وفي السياسة والحكم، وغالبًا هي كذلك، لكن لدي ملاحظة واحدة في هذا السياق هي التي طرحها العنوان، هل المواطنة آلية للحل أم نموذج للعيش؟!
التجارب المشابهة في العالم تقول بوضوح إن المواطنة هي أوسع من كونها مصطلحًا يتم ترديده بشكل تزييني في الخطابات بهدف تنميق اللغة و(جنتلة) صاحبها، هي ثقافة كاملة، جزء من العادات والتقاليد والعيش، الذي لا يمكن تلقينه عبر دورات تدريبية أو ندوات سريعة لا يستمر أثرها بعد أن تنتهي طويلاً، وإنما تحتاج أن تتحول إلى سلوكيات يتم دعمها وتمكينها في المجتمع وفي حياة الناس لنصل لصيغة من المواطنة العادلة التي نبتغيها، وإلا ستبقى المواطنة مجرد مصطلحات وهرطقة يزايد بها فريق على فريق آخر دون أن يفهمها الفريقان، أو يعرف من خلالها أحدهم حقوقه دون أن يعرف واجباته، ومع الأسف يتم تقديم هذا المصطلح دائمًا كآلية لحل المشكلات التي يعاني منها المجتمع دون فهم كافٍ له ولما يترتب عليه من سلوكيات تجعله طريقة للعيش (ثقافة كاملة) نستطيع من خلالها تحقيق التغيير.
ويمكن ملاحظة هذه الهوة بين المصطلح والفهم والتطبيق من خلال سؤال الناس عن المواطنة، ستجد أن الجميع يفهمها فقط في حدودها العامة التي تتلخص عند لفظ (المساواة) دون إدراك للأبعاد الأخرى المهمة التي تشرح هذه المساواة في إطار الحريات والعدالة والقيم والمرجعيات الاجتماعية المختلفة، واحترام هذا الاختلاف وتقبل الآخر و … إلخ.
علينا عبء كبير في هذا المجال، وفي المجالات المشابهة التي يتم تقديمها للمجتمع بأشكال استهلاكية غير ذات قيمة تحتاج منّا توعية مضاعفة واهتمامًا أفضل.
المدير العام | أحمد وديع العبسي