أ. شفيق مصطفى |
في العام 1918 انقشع غبار الحرب العالمية الأولى عن ركام الإنسان قبل ركام البنيان، وكانت الحرب نقطة مفصلية في نضال النساء الغربيات للخروج ممَّا تسميه ستيفاني هودجسون-رايت (النظام الأبوي).
يشير مصطلح “الأبوي” إلى علاقات القوة التي تخضع في إطارها مصالح المرأة لمصالح الرجل.
لقد كانت حربًا أجبرت الكثير من النساء على العمل في معامل السلاح والغذاء واللباس خدمة للمجهود الحربي، وقد تشكَّلَ باجتماعهنَّ في المعامل ما يشبه التنظيم ذو النمط الخاص الذي ضغط بقوة لتحصيل حقوق التملك والعمل والتعليم والتصويت والمشاركة السياسية.
إن جوهر المطالب للموجة النسوية الأولى كان التركيز على تحرير المرأة اجتماعيًا وسياسيًا على التوازي مع الرغبة في تعريف الهوية الأنثوية والخطاب الأنثوي.
تركزت الجهود في هذه الفترة على إعادة موقع المرأة بين البشر وتحدي الفكرة القائلة بأن المرأة صنف من الجنس البشري أدنى من الرجال. ومع منتصف الأربعينات اكتمل للنساء الحصول على أهم الحقوق (كقوانين في البرلمانات) وذلك في مجمل الدول الأوروبية.
عاشت المرأة في تلك الفترة ضغط هائل، وحرمان من أبسط الحقوق، ثم تلكؤ متعمَّد في منحها، ثم سنوات طويلة بين إقرار القانون الذي يمنح الحق وتطبيقه على أرض الواقع.
تلك ملامح الموجة الأولى لتطور (الحركة) النسوية.
الموجة الثانية للحركة النسوية..بواكير “التوجه المتشدد”
أصدرت الكاتبة الفرنسية (سيمون دي بوفوار) عام 1949م كتابها الذائع الصيت (الجنس الآخر)، متأثرة بذلك النضال الدامي للمرأة، و يكاد كتابها يكون (إنجيل الحركة النسوية).
شنَّت (دي بوفوار) حربًا على الرجل وعدَّته (آخر) بالنسبة إلى المرأة، كما أن المرأة هي (آخر) بالنسبة إليه، وعزَت مجمل ما عانت منه المرأة عبر التاريخ لتسلط الرجل وقهره لها، إلا أن الجديد في الأمر إرجاعها كل ذلك لمؤسسة الأسرة التي لولاها لما استطاع الرجل أن يفرض سلطانه على المرأة ويخضعها لرغباته وتصوراته!
دعت (سيمون دي بوفوار) لإلغاء مؤسسة الأسرة والاستعاضة عنها بـ (الشراكة) التي تعقد بين رجل وامرأة ينصان في ذلك العقد على كل تفاصيل الحياة الجديدة، متحررَين من كل (القيود) التي يفرضها الزواج الكنسي.
انطلقت (سيمون) بعدها لتكيف المرأة وفق منظورها، معلنة عصرًا جديدًا تكون الأنثى فيه لا امرأة ولا سوى ذلك!! فعصر التنميط والتدخل في اختيارات الأنثى لمصيرها قد ولَّى ولها أن تختار (الدور الاجتماعي) الذي ترغبه!
“المرأة لا تولد امرأة ولكن تكون كذلك”!!.. سيمون دي بوفوار
عند (سيمون) المجتمع هو من يشكل هوية الأنثى بوصفها امرأة، ولا يوجد هناك أي رابط فطري أو نفسي ذاتي يربط بين كونها أنثى وكونها امرأة.
قد يصعب على القارئ الاستمرار في قراءة السطور الآتية، لكن هكذا هي المعرفة!!
تقول (سيمون دي بوفوار):
- لا يوجد قدر بيولوجي أو نفسي أو اقتصادي يقضي بتحديد شخصية الكائن البشري كونه أنثى في المجتمع. الحضارة هي من تصنع هذا المخلوق الذي يقف بين الذكر والخصي، ويوصف بأنه أنثى.
- فئة المرأة ليس لها وجود حقيقي، إنما هي إسقاطات لخيالات الذكر ومخاوفه.
- على المرأة أن تنتهز فرصة التحرر الاقتصادي والاجتماعي الجزئي الذي أعطاها الرجل للمرأة لمصلحته الذاتية لتحقق المساواة الاقتصادية والاجتماعية وتصبح آخر له بقدر ما هو آخر لها.
وكالمتون العلمية القديمة، وضعت الكاتبات النسويات كتاب (الجنس الآخر) لسيمون دي بوفوار، متنًا لها ومرجعًا فخرجت الكتب الآتية: في أمريكا (السياسات القائمة على التحيز للرجل) للكاتبة كيت ميليت، و (جدلية الجنس) لشولاميت فايرستون، وكتاب (أختية النساء قوة) لروبين موجان.
أما في بريطانيا فكان كتاب (المرأة المخصية) لجيرمين جرير أول وأهم ما كتب في تلك الحقبة، تبعتها إيفا فيجز في كتاب (مواقف أبوية).
وكما تقول (سارة جامبيل) فإن نسب كل هذه الكتب يعود إلى كتاب “الجنس الآخر”.
يحق لأي أحد أن يقيِّم هذا الكلام بأنه خطير بل وعنيف؛ إلا أنه قد لا يزيد كثيرًا في الخطورة والعنف عمَّا تعرضت له المرأة الغربية في القرون السابقة، بل ولغاية السنوات التي كتبت فيها (سيمون، وجيرمين، وكيت ملييت) أفكارهنَّ، وحتى يومنا هذا ..
يتبع …