أ. شفيق مصطفى |
كان ما كتبته (سيمون دي بوفوار) في كتابها (الجنس الآخر) بمنزلة إعلان نهاية الموجة الأولى لتطور الحركات النسوية، وابتداء عهد جديد عُرف فيما بعد بالموجة الثانية.
وفي الوقت الذي ركزت فيه الموجة الأولى على تحرير المرأة اجتماعيًا وسياسيًا والمطالبة بالحقوق الأساسية كحق التملك والتعليم والعمل وحق التصويت والمشاركة السياسية، اتجهت الموجة الثانية اتجاهًا مختلفًا.
موجة جديدة بمطالب مختلفة
اختلفت طبيعة المرحلة فكانت (سيمون دي بوفوار، وجيرمين جرير، وبيتي فريدان) رائدات التنظير لها؛ فالضعف الذي أبدته المرأة في الموجة الأولى وطبيعة المطالب التي طالبت بها يجب أن نضعه وراء ظهورنا وننطلق لتحليل أسباب ذلك “النظام الأبوي” الذي فرضه الرجل على المرأة طوال القرون السابقة، وبالتالي فطبيعة المطالب ستختلف حتمًا والطروحات يجب أن تواكب المستجدات الجديدة !.
في العام 1966م نشرت (جولييت ميتشيل) مقالًا بعنوان “النساء أطول الثورات” هاجمت فيه الماركسية والاشتراكية باعتبار أنهما تنظران إلى تحرير المرأة كأمر ملحق للتحليل الطبقي، وكررت ذلك في كتابها “سلطة المرأة” 1971.
أعادت (جولييت ميتشيل) أسباب القمع الذي تعرضت له المرأة لتداخل أربع بنى متمايزة (الإنتاج، الانجاب، الجنس، التربية الاجتماعية للأطفال) وكلها تؤول بالضرورة لتحكم الرجل وما يفرضه من رؤى وتصورات!.
وبالتالي يجب أن يتحقق تحول في هذه البنى حتى تنجح حركات تحرير المرأة.
تبعت (شيلا روبرتام ) (جولييت ميتشيل) بقولها: “على المرأة أن تناضل من أجل السيطرة على الإنتاج والانجاب.”
أول مؤتمر وطني لتحرير المرأة
في كلية (راسكن) بأكسفورد وفي العام 1970م انعقد أول مؤتمر وطني لتحرير المرأة في بريطانيا حضره ما يقرب من 500 مشارك جلهم من النساء بطبيعة الحال، بلغ الجدل والنقاش أوجه، وارتفع سقف المطالب، فخرج المؤتمر بأربع نقاط:
- المساواة في الأجور.
- المساواة في التعليم والفرص.
- إنشاء حضانات تعمل على مدار اليوم.
- الحرية في استخدام وسائل منع الحمل والاجهاض حسب الطلب.
يرى المتأمل في هذه المطالب طبيعة مختلفة تضع الأفكار موضع التنفيذ وتنحو نحو إجراءات عملية مباشرة لتطبيق فكرة الانعتاق من سلطة الرجل والسير بشكل حثيث نحو مجاراته ومحاولة تجاوزه.
مع اقترابنا من نهاية الربع الأول من الألفية الثالثة، وبعد مرور 50 عامًا على مؤتمر كلية (راسكن) ننظر هل يا ترى قد تحقق شيء من هذه المطالب؟
ولنأخذ مثالًا على ذلك المطلب الأول
المساواة في الأجور
يؤكد المرصد الفرنسي لمحاربة اللامساواة في تقريره السنوي عام 2010م أن الفارق في الأجور بين المرأة والرجل (رغم تساوي المؤهلات والتجربة) يبلغ 10% وذلك في فرنسا.
وفي ترتيب المنتدى الاقتصادي العالمي حلت فرنسا في المرتبة 116فيما يخص المساواة في الأجر بين الرجل والمرأة!
- يؤكد مكتب الإحصاءات الأوروبية “يوروستات”، أن دخل الرجال في منطقة اليورو، وفي عموم أوروبا، يزيد على دخل النساء ممَّن يشغلنَ المنصب نفسه بمعدل 16.4%
- ويشير التقرير إلى أن (إستونيا) ما زالت تسجل المعدل الأعلى في الفروق المالية بين الرجال والنساء التي تصل إلى نحو 29.9%، تليها النمسا 23%، ثم جمهورية التشيك 22.1%، ثم ألمانيا 21.6%
لا يختلف الأمر كثيرًا بالنسبة إلى باقي المطالب، ما أدى إلى حملة جديدة لإعادة تشخيص المشكلة ووضع حلول جديدة عرفت فيما بعد بالموجة الثالثة أو ما بعد النسوية.