تتفق غالبية النساء في سورية عمومًا والريف بشكل خاص على أن “المونة” هي من ضروريات كل مطبخ سوري منذ القدم وحتى يومنا هذا، فيدخرن بعضًا من أصناف الطعام لفصل الشتاء الذي تقل فيه الخضار ويرتفع ثمنها إن وجدت في غير موسمها، وتحفظ هذه الأغذية إما بتفريزها أو كبسها أو تجفيفها وهو الأكثر اتباعًا خلال سنوات الحرب بسبب الانقطاع شبه الدائم للكهرباء خاصة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.
لم تتوانَ الحاجة فهيمة (أم أحمد) 65عامًا من مدينة إدلب يومًا عن تخزين المواد الغذائية لأسرتها، بكافة أنواعها من قرع وباذنجان وكوسا وبامياء وملوخية وورق العنب إضافة إلى المربيات بأنواعها والدوبيركة (اللبن المطبوخ المصفى) وأنواع الكبيس والمخللات ودبس العنب والرمان والفليفلة والبندورة، وتعتبر الأخيرة هي الأكثر أهمية، حيث تدخل البندورة أو دبسها كعنصر مهم في طهي معظم الطبخات السورية كالمحاشي ومرق الفاصولياء والبامية والبطاطا.
أما عائلة “ميرفت نجار” من معرتمصرين بريف إدلب والمؤلفة من 9 أشخاص فقد اعتادت على صناعة دبس البندورة يدويًا منذ القدم وحتى اليوم، وتستهلك ما يقارب 20كغ سنويًا من دبس البندورة المصنعة بالطريقة اليدوية، لأنها أطيب مذاقًا من الجاهزة المعلبة التي تباع في الأسواق إضافة إلى أنها لا تحتوي على الملونات والمواد الحافظة والملح حسب ما أكدت لـ صحيفة حبر.
تبدأ مؤونة دبس البندورة في منتصف الصيف وموسم قطافها حيث ينخفض سعرها، وأولى مراحل صناعتها هي مرحلة التقطيع بعد غسلها جيدًا وإزالة الأجزاء التالفة منها، ثم مرحلة التخمير في أوان بلاستيكية لعدة ساعات تحت أشعة الشمس، بعد ذلك تأتي مرحلة العصر اليدوي في مصفاة، تليها المرحلة الأخيرة وهي النشر والتجفيف على أسطحة المنازل لبضعة أيام حتى تصل إلى السماكة المطلوبة، ثم تُعبأ وتخزن في مرطبانات محكمة الإغلاق.
في حين تلجأ بعض العائلات لعصر البندورة على غسالات آلية عادية مخصصة لها أو بماكينة الكبة، لأن هذه المرحلة تعد من أصعب مراحل صنعها، ويستخلص من كل 10 كيلو غرام من البندورة كيلو غرامًا واحدًا، ويبلغ سعره في أسواق مدينة إدلب 100 ليرة سورية.
أما بالنسبة إلى أم أحمد فلا طاقة لها على تموين دبس البندورة أو غيرها من المواد الغذائية بكميات كبيرة كما كانت سابقًا، فزوجها توفي منذ سنوات، وتزوج جميع أبنائها وباتت تكتفي بالقليل منها أو بالجاهزة، بينما كانت على حسب قولها تجتمع في أوقات المونة مع نسوة الحي ليتعاونوا على الانتهاء منها في وقت مبكر فالكميات كبيرة ومساعدة الأهل والجيران لا غنى عنها.
إلا أن كنّات الحاجة فهيمة لا يعتمدنَ على المونة بشكل كبير بل على ما يتوفر في الأسواق من خضروات موسمية وحبوب وفاكهة، فالمونة تستهلك وقتًا وجهدًا كبيرين لا طاقة للكثيرات بتحمله.
في صيف هذا العام تزدهر صناعة المونة مجددًا في منازل السوريين، بسبب انخفاض وتيرة القصف على الشمال السوري وتوجه معظم سكانها للاستقرار إضافة إلى انخفاض أسعار الخضار والفاكهة في أسواق المدينة بسبب إيقاف تصديرها لمناطق النظام، وذلك بعد أن حُرموا منها لسنوات بسبب الغلاء والقصف والنزوح المتكررين.