غسان الجمعة |
تستمر روسيا باختيار مدى فعالية منظومة الناتو التي ماتزال تعمل بخجل مع حليفتها تركيا في ساحة إدلب، حيث لم تقدم دول الحلف لأنقرة سوى البيانات والتعاطف حتى اللحظة، في حين إن بوتين ومن خلفه النظام زادوا من ضغطهم العسكري على الوجود التركي ولكل منهما أهدافه في سياق لعبة عدم الانزلاق إلى حرب مفتوحة.
الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا وألمانيا وبريطانيا تنظر إلى تركيا من وجهين، الأولى: من واجهتها العلمانية الحديثة التي يمثلها ويحميها الجيش التركي الذي يشكل العمود الفقري للقوة البرية لما يعرف بحلف الأطلسي (الناتو).
والأخرى: التعامل بالوجه الآخر مع حكومة ديمقراطية منتخبة تحظى بدعم شعبي من الشارع التركي ترى فيها أوربا وريثة أحلام السلطنة العثمانية التي يشكل تاريخها كابوساً لها.
هذا الفصل في انتهاج التعامل مع تركيا من قبل الاتحاد الأوروبي بات غير منطقي من الناحية العملية بعد إجراء التعديلات الدستورية الأخيرة في الجمهورية التركية، حيث انتقلت تركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي في خطوة منحت المزيد من القوة لإدارة القرار واستقلاله الداخلي والخارجي وبات من الصعب الفصل بين الحكومة والرئاسة من جهة والمؤسسة العسكرية من جهة أخرى كما كانت تركيا في العقود الماضية.
لذلك نجد أن التراخي الغربي في دعم تركيا في إدلب لمواجهة روسيا وحلفائها هو لرغبتها سماع الصراخ التركي تحت ضغط الأسنان الروسية، حيث تعتبر دول الناتو تركيا عضوًا متمردًا على الأيدولوجية الغربية ومبادئ الحلف وعلى رأسها صفقة s400 في حين إن المفارقة الآن أن تركيا تسعى الآن للحصول على دعم منظومة الباتريوت الغربية لتحييد الطيران الروسي وطيران الأسد.
وعلى الرغم من ذلك لا يمكننا أن نعتبر ذلك خطأً في السياسة التركية الخارجية لأنها تسعى لأن تكون بيضة القبان في ميزان السياسة الدولية بين الدول الكبرى، في حين إن أطراف الصراع الإقليمي والدولي تحاول إحباط هذا الدور ليس بطمسه وإنما بحسمه لأحد الأطراف لرغبتهم بتركيا حليفة مسلوبة الإرادة مكبلة في اتخاذ القرار، وهو ما تحاول تركيا الهروب منه أو تجاوزه في إدلب.
اليوم دول الناتو تسعى لحفظ ماء وجه الجيش التركي بطريقة معينة، وهي ستفعل بمرحلة ما لكنها قبل ذلك ستسعى لكسر إرادة الحكومة التركية بعد أن تثبت للشارع التركي فشل حزب العدالة والتنمية وسياسته الخارجية.
في حين إن روسيا تستغل هذا الشرخ في حلف الأطلسي لترفع من رصيدها السياسي والعسكري إقليميًا ودوليًا وتختبر جدية تركيا في منحاها الجديد بعيدًا عن الناتو.
الساعات القادمة حاسمة في إدلب مع قرب انتهاء مهلة الرئيس التركي للنظام السوري بالانسحاب إلى خلف نقاط المراقبة، كما أنها حاسمة بالنسبة إلى المعسكرين الروسي والغربي في كيفية التعامل مع الحركة التركية القادمة التي ستكون بالاعتماد والتنسيق مع أحدهما (وفي كلاهما ستقدم تركيا تنازلات) مع فرصة ضئيلة لتحرك أنقرة منفردة في إدلب لتستمر بالحفاظ على استقلال قرارها السيادي وحجمها الإقليمي والدولي كلاعب مستقل له حسابات خاصة.