مريم إبراهيم |
تنتظر أم باسل (٤٣) عامًا من بلدة قلعه المضيق، ابنها بفارغ الصبر حتى يقوم بإنشاء خيمه لها ولباقي أبنائها في مخيمات أطمة، ففي موجة الصقيع التي ضربت المنطقة لا يستطيع أحد أن يبقى بالعراء دون خيمة تؤويه على الأقل.
بين سندان البرد ومطرقة الاستغلال
تقول (أم باسل): “هُجِّرنا من بلدتنا قلعه المضيق منذ عام ونصف تاركين كل شيء خلفنا، اتجهنا وقتها نحو ريف إدلب الجنوبي بلدة معرة حرمة، وبعد تقدم النظام إليها نزحنا مجددًا إلى بلدة بنش، ثم نزحنا مؤخرًا إلى مخيمات أطمة وهنا كانت المصيبة حيث لا نستطيع تأمين خيمة، ولا يوجد مكان للإيجار فالأماكن مكتظة بالنازحين، مما دعانا إلى شراء أرض بمساحه٥٠ مترًا بـ 250 دولارًا وتحتاج إلى تسوية بمبلغ آخر ثم نصب خيمة فيها أو بناء غرفة، ولجأنا إلى هذا الخيار رغم استغلالنا بسعر الأرض التي لا تساوي هذا المبلغ لنأوي إليها من البرد خاصة أننا جالسون مع أقاربنا بخيمة لا تتسع.”
صحيفة حبر التقت (أبو عمر) ٣٤ عامًا مدير مخيم (الفتح العربي) الذي حدثنا عن معاناة النازحين واستغلال أصحاب الأراضي لهم بقوله: “حركة النزوح إلى المخيمات كبيرة بفعل جرائم النظام، وفي ظل غلاء سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي، واستغلال بعض رخيصي الضمائر، ارتفع سعر الأراضي التي كانت جبالًا لا فائدة منها قبل اندلاع الثورة، بسب أنها منطقة حدودية وآمنة، حيث وصل سعر المتر الواحد إلى خمسة آلاف وتسعة آلاف سوريه بعد أن كان 2500 ليرة، والسعر قبل تسوية الأرض، فالأرض هنا قبل إنشاء خيمة أو تعمير غرفة بحاجة إلى تسوية بسب كثرة الصخور وما شابه، وإلى الله المشتكى.
أتمنى من الله أن نعود إلى ديارنا جميعًا، وأن تكون مدة مكوثنا هنا ذكرى لا أكثر.”
(أبو عدي) ٣٢ عامًا نازح من بلدة سرمين يصف ما مرَّ به في أول نزوح له: “جاء نازحون كثر إلى بلدتنا، كنت أراهم يتوافدون من جميع المناطق، لكن الآن عندما نزحتُ معهم شعرت بما يشعر به الإنسان بعد خروجه من منزله، صرتُ في خيمة لا تقي حر صيف وبرد شتاء سعرها ١٥٠دولار أميركي، فضلًا عن سعر الارض التي ستشيدها عليها بالإضافة إلى تسويتها، الفقير الذي لا يملك ليرة سورية واحدة كيف سيستطيع أن يجد مأوى؟! الجوامع لم تعد تتسع، والمدارس لا يسمحون بالدخول إليها، أين نذهب والأماكن أغلقت في وجوهنا؟! والله هناك أطفال لا يعلم بحالهم إلا الله وحده من شدة البرد وفقر أهلهم وما يعانونه في المخيم عند أقربائهم لأنهم لا يمتلكون ثمن شراء ارض لنصب خيمة عليها.”
وللوقوف على حيثيات الأمر أكثر التقت صحيفة حبر (أبو فادي) ٥٥عامًا من بلدة (قاح) صاحب أراضٍ يقوم ببيعها للنازحين الجدد، يقول أبو فادي: “لدي أرضٍ هنا، قمت ببيع 2 دونم منها وإعطاء الناس 2 دونم دون ثمن، لقد ساعدتهم بما أستطيع، مع أن أقربائي استغلوا الفرصة ورفعوا أسعار الأراضي التي يتخذها النازحون ملاذًا لهم من بطش النظام، إلا أن ضميري لم يسمح لي باستغلال النازحين، فهم إخواننا وأهلنا، ونسأل الله لنا ولهم الفرج العاجل.”
أما عن الموت فكانت (ياسمينة) التي عمرها شهرين من بلدة (التوينه الغاب) حديث المخيم بأسره، إذ توفيت بسب البرد وفقر أهلها في خيمه جلسوا فيها في أيام الصقيع المنصرمة، لم يكن ذنب ياسمين أنها نزحت مع أهلها، ولم يكن ذنبها أن أهلها فقراء لا يملكون ثمن تدفئة، كل ذنبها أنها سورية من عائلة رفضت الظلم وحكم نظام الأسد المجرم.
شتاء قاسٍ وسط موجة نزوح غير مسبوقة، وشعب بأكمله لا يجد مأوى لأطفاله، والمنظمات الإغاثية لا تستطيع استيعاب الأزمة، وأخيرًا استغلال للنازحين ببقعة أرض لا تتجاوز الخمسين مترًا لنصب خيمة.