يعيش أغلب السوريين ضمن المحرر السوري عدا الصراع مع الحرب صراعًا آخر لتأمين لقمة العيش، وهذا ما يتطلب السعي الدائم لإيجاد فرص عمل تناسب الوضع المعيشي الصعب الذي يعاني منه الشعب السوري، والعمل لتأمين حياة كريمة لعائلاتهم.
وفي ظل الوضع الراهن ربما نستطيع تقسيم مجالات العمل إلى عدة أقسام يُؤمن من خلالها الناس مصدر رزقهم، فمنهم المُزارع غير النازح الذي يزرع أرضه ويجني محصوله الذي يواجه فيه صعوبة في التصريف وانخفاض ثمنه قياسًا على التكلفة والمصروف ما يؤدي إلى التردد بتكرار المحاولة والزراعة من جديد. ونجد نوعًا آخر وهم الموظفون الذين مازالوا حتى الآن يأخذون رواتبهم من مؤسسات النظام سواء متقاعدين كبار السن، أو آخرين مازالوا على رأس عملهم فقط لتأمين سبل العيش، وهناك أيضًا موظفون وعمال يعملون في مؤسسات ثورية ومنظمات مجتمع مدني، وهناك طبقة ممن بات راتبهم الذي يتقاضونه من فصيلهم الذي ينتمون إليه مصدر عيشهم، وثمة طبقة أخرى معاناتهم تعدُّ الأكبر وهم النازحون الذين هُجروا من منازلهم هربًا من شبح الحرب الذي يلازمهم في كل مكان، فبماذا يعمل هؤلاء؟
صحيفة حبر التقت المُهجَّر “أبو حمدو” من سكان مدينة حلب “الليرمون” الذي ترك منزله متنقلاً من مكان إلى آخر، وفي نهاية المطاف أصبح في مدينة الأتارب، كان يملك محلاً ومجموعة سيارات وبعض المعدات الآلية، وبعد النزوح والتهجير افتتح محلاً لبيع الأدوات المنزلية المستعملة مع شريك آخر، وما إن تعلم صار يعمل بمفرده، ليتجاوز مسألة البطالة في النزوح، تحدث قائلاً : “عملي الحالي لا يكفيني طيلة الشهر، فمصاريف المنزل كثيرة كالماء والأمبيرات و غيره الكثير، لكن والحمد لله أحاول التغلب على الواقع الحالي حتى يتاح لي الأفضل وأعود إلى عملي السابق وبيتي، فمتى ينتهي القصف سأعود إلى منزلي، حاليًا أخشى على عائلتي كون بيتنا على الخطوط الأمامية، فرغم هدوء الأوضاع حاليًا إلا أن نقاط التماس ماتزال خطيرة والخوف على عائلتي مازال موجودًا.”
والتقينا أيضًا زريفة المصري “أم العز” من حي الميسر بحلب التي هُجرت من منزلها وعائلتها وأتت إلى مدينة الأتارب، زوجها شهيد في سجون النظام اعتقل أثناء ذهابه إلى عمله في مغسلة للسيارات، تروي لنا عن معاناتها في تأمين العمل والسعي: “هُجرنا من منزلنا، وبعد فترة فقدت زوجي، فلجأت للعمل أنا وبناتي في أراضي الناس الزراعية، فكنا نخرج إلى العمل من الخامسة صباحًا، وبقينا على هذا الحال ثلاث سنوات، ثم بدأت أعمل بمهنة الخياطة بعد أن زوَّجت إحدى بناتي، وابنتي الأخرى تعمل حاليًّا ممرضة، أما ابني الوحيد أُصيب بحادث رهيب وبقي 40 يومًا بالعناية المشددة بتركيا وكان هذا قمة انكساري.” وأضافت: “قلَّ عملي بالخياطة لضعف بصري لكثرة بكائي على زوجي، أُخيط قليلاً والناس تخبر بعضها عن عملي، والأجر قليل لكن التعب خير من المسألة، نحاول العيش ضمن الإمكانيات الموجودة، وحاليًّا أعمل أنا وابنتي، ومن يرضا بالقليل يُرزق الكثير.”
كثيرة هي العوائل التي تحاول العمل بأي شيء يعود عليهم بأجر ولو كان زهيدًا لتأمين لقمة عيشهم، فأثناء بحثنا عن هذه الطبقة التي تعدُّ الأكثر في المناطق المحررة وجدنا الكثيرين ممَّن يعملون أعمالاً مؤقتة (كالعمل في الحقول لدى أهل المنطقة، والعمل في البناء رغم قلته، والعمل في المواسم كالزيتون حاليًا، وغيره..) وكل ذلك على أمل العودة إلى منازلهم التي هُجروا منها ومهنهم التي اعتادوا على ممارستها بحب وعطاء.