بشار الفارس |
تبدأ ربَّات المنازل في مثل هذه الأيام من كل عام بتجهيز (المونة) لفصل الشتاء، التي يبدأ موسمها عادةً من شهر آب حتى شهر أيلول، حيث تفرِّغ ربات المنزل أنفسهن ويعملنَ على تحضير كافة أنواع (المونة) من الخضروات والألبان، ويقمْنَ بأعمال الخمير والتكديس لفصل الشتاء، كون تكون الخضرة في هذه الأوقات متوفرة وتكون أرخص من فصل الشتاء الذي تكون فيه الخضروات مرتفعة لعدم توفرها. (المونة) السورية تشمل أنواع المربيات، والألبان، والمخلل، والطماطم، والنعناع والملوخية والبقوليات بأنواعها، والمكدوس الذي يكون في مقدمة المونة ويزين المائدة على الفطور، وهو أكثر أنواع المونة انتشارًا، ويصنع بالاعتماد على الباذنجان والجوز وزيت الزيتون الأصلي.
(المونة) تُعدُّ من التراث الشعبي في سورية جرى العمل عليها من قديم الزمن، وهي تقليد يتوارثه الأجيال في كل عام، حيث تقوم على تخزين المواد الغذائية على مبدأ (النمل)، عندما يجمع القمح في فصل الصيف لكي يأكله في الشتاء، وهكذا الإنسان في تحضير المونة.
تقول الحجة (فطيم)، وهي نازحة من ريف حماة: “في كل سنة من شهر آب نقوم بتحضير المونة لفصل الشتاء، وهناك أنواع كثير نحضرها في مقدمتها (المكدوس وللفليفلة الحمراء، وأنواع البقوليات، والمخلل، والألبان والأجبان، والشنكليش، وتجفيف الباذنجان، والكوسا للمحاشي في الشتوية..) والكثير من الأنواع، وتحضير المونة أصبح عادةً لدينا ولها طقوسها الخاصة، وكنا نتسابق نحن النساء في تحضير المونة والتفنن فيها وبأنواعها، لكن الآن كبرت في السن ولم يبقَ لدي القدرة على العمل، وخاصة بعد نزوحنا، حيث أصبحت كل عائلة ببلد مختلف، وحتى الأخوة كل أخ ببلد.”
غياب المونة لدى السوريين في هذا العام
لم تميز الحرب في سورية بين السوريين، ونتيجة الأوضاع المادية والاقتصادية والمعيشية المتدهورة، وموجة النزوح الكبيرة التي شهدتها المناطق المحررة، لم تتمكن أغلب العائلات من تحضير المونة، تقول السيدة (أم محمد) لصحيفة حبر: “بعد نزوحنا من منازلنا وترك أراضينا وعدم قدرتنا على جني المحاصيل ولا حتى الزراعة، لم أستطع تحضير المونة كاملة في هذه السنة.”
وتضيف: ” المواد التي حضَّرتها هي بسيطة، قليل من الفليفلة والباذنجان، لم أستطع وضع تحضير المواد الأساسية بسبب الغلاء.”
وتتابع: “أغلب المواد الغذائية التي كنت أحضِّرها كانت من بستان الخضرة الذي أقوم بزراعته بنفسي جانب المنزل، لكن الآن اختلف الوضع علينا وتركنا كل ما نملك ونزحنا بسبب القصف وتقدم قوات النظام”.
لم يكن النزوح وحده الذي منع العائلات السورية من تحضير المونة، إنما ارتفاع الدولار وغلاء أسعار المواد الغذائية كان سببًا في عدم قدرة الكثير من العائلات على تحضير المونة، ومنهم (أم احمد) التي أكدت ذلك بقولها: “لدي سبعة أولاد وأنا وزوجي، لم أستطع هذا العام تحضير المونة لفصل الشتاء، بسبب ارتفاع الأسعار وعدم قدرتنا على شراء المواد الغذائية، وأعتمد وأولادي على عمل زوجي، هذا إن توفر لديه عمل.”
وتتابع: “أصبحنا خائفين من هذه الشتاء؛ لأنه واضح سيكون قاسيًا لعدم وجود فرصة عمل دائمة لزوجي، خاصة بعد انتشار جائحة كورونا، ونحن ليس لدينا أي مقومات لحجر أنفسنا، إن كنا الآن لا نستطيع شراء المواد الغذائية لتحضير المونة، كيف سوف نستطيع شراء الغذاء في الشتاء الذي تكون الأسعار فيه مرتفعة أكثر من الصيف”. النزوح، وارتفاع أسعار المواد الرئيسة، والتعامل بالدولار والليرة التركية، دفع الكثير من العائلات إلى عدم تحضير المونة لفصل الشتاء هذا العام.