مع ارتفاع وتيرة المعارك المحتدمة بين قوات النظام وفصائل المعارضة في ريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي، بات قرابة ثلاثمئة ألف نسمة نازحين إلى مناطق أخرى أكثر أمنًا حسب اعتقادهم من جحيم القصف الهستيري.
عائلة “حسين الربيع الغيلان” هي إحدى العائلات النازحة من “العوجة” بريف سنجار، هذه العائلة تشردت في أماكن بعيدة متفرقة في المناطق المحررة حين بدا لها أن البلدة ستغدو ساحة للمعارك وغير آمنة، فتشردت وتشتت ما بين غرب إدلب وشرقها وبين شمالها وجنوبها.
“أم خالد” زوجة حسين الربيع الغيلان أم لخمسة أولاد وزعهم النزوح مع عائلاتهم في “احسم وأطمة”، وثلاث بنات تقاسمهنَّ التشرد بين “معرزاف وبالعة الروج” في غرب إدلب.
تروي لنا “أم خالد” معاناتها بقولها: ” لم يتثنَ لنا حزم أمتعتنا سوى القليل من الثياب التي وضعتها في بعض الأكياس والحقائب وسط هلع كبير من الصواريخ التي كانت تنهال علينا كالمطر من الطائرات الحربية، تركنا بيوتنا وأرضينا الزراعية التي كنا نعتمد عليها كمصدر رزق، لقد أجبرني القصف على فراق أولادي وزوجاتهم بعد أن كنا نسكن في بيوت متقاربة في القرية”.
شتاتُ السوريين ليس في أصقاع الأرض فحسب، إنما في داخل الوطن أيضًا، لكن “أم خالد” ترى أن النزوح في الوطن من بلدة إلى أخرى هو “أهون الشرين” وخير من الرحيل عن جغرافيا الوطن، فداخل الوطن يمكنها أن تتواصل مع أولاها أو تزورهم، بينما اللاجئون السوريون خارج الوطن من الصعب عليهم العودة إليه بعد أن وجدوا الأمان بعيدًا عن حدوده.
لذلك تحاول أم خالد أن تتأقلم مع المجتمع الجديد في احسم بعيدًا عن باقي أولادها وأحفادها، فتوزع ساعات يومها بين أعمال المنزل الروتينية وواجباته، وبين المساهمة في تربية أحفادها القاطنين معها في بيت النزوح الجديد، وساعات أخرى تختلي بها مع نفسها مذهولة بما حدث لها ومتأملة بحلم العودة إلى بيتها وجيران حيها، وساعات أخرى تشن الحسرة واليأس ثورة في نفسها على ماهي عليه الآن من غربة ونزوح وفقر وتشرد.
أم خالد في غربتها عن بيتها كأم فقدت وليدها، فنيران الشوق والحسرة التي في داخلها ظاهرة جلية تجدها في نظراتها وحسراتها، لكن جيرانها الجُدد يحاولون إشعارها بأنها في قريتها وبين أهلها، ففي كل صباح تأتي جارتها إليها لتساعدها بما تستطيع فعله، لتقول لها بتصرفها إنَّ جرحنا وأحد، وما يجمعنا أمل وقضية واحدة، ويقيننا بالنصر والفرج كرسوخ الزيتون في إدلب.
من السهل نقل الإنسان من وطنه، لكن من الصعب نقل وطنه منه” عبارة جيفارا هذه الأجدر بوصف النزوح وآلامه الذي بات يعاني منه كل السوريون خلال الحرب.