لم تستغربِ القاعدة الروسية حميميم من هشاشة المقاومة التي حاولتِ التصدي لقوات النظام السوري المدعومة بالطائرات الروسية، إذ ذكرت القاعدة عبر حساباتها أن التنظيمات المقاتلة ضعيفة في إدلب، وأن النظام يكسب مساحاتٍ واسعة بشكل متسارع نتيجة قوة العدة والعتاد.
من الناحية العسكرية يجب أن تكون المناطق التي يقتحمها النظام من أكثر الأماكن تحصيناً وقوةً لسببين مهمين الأول: طول فترة سيطرة الفصائل الثورية عليها، حيث من المفترض أن تكون محصنة جيداً، والآخر: أن هذه المناطق هي عبارة عن حزام حدودي بين النظام ومناطق الثوار المحررة، ومن المعروف أن الحدود تكون قوية لأن فيها نقاطاً عسكرية كبيرة، لكن إذا كان الانهيار سريعاً لهذه الدرجة في منطقة الحدود فكيف سيكون في المناطق الداخلية؟!
وهكذا فإنه من غير المتوقع أن تكون التحصينات ضعيفة لهذه الدرجة، خاصة أنّ النظام لم يستخدم السلاح الجوي بشكلٍ كبير جداً على غرار ما حدث في حلب، بل كان اقتحامه يعتمد على التقدم البري بالدبابات والأسلحة المتوسطة، وهذا يدعم افتراض الكثير من المحللين السياسيين أن يكون تقدم النظام الأخير نتيجة لمفاوضات أستانا الأخيرة التي من الواضح أنها اقترحت خريطة حصص جديدة لأفراد الصراع السوري.
هذه السياسة التي يتبعها النظام ليست وليدة اللحظة، فمع بداية كل عام يجتمع المتفاوضون لاقتسام الخريطة السورية كأنها كعكة عيد الميلاد تُقسم بالتراضي بين الأطراف، وبعد ذلك تعلن روسيا انسحابها من سورية ثم يبدأ النظام حملة عسكرية للسيطرة على أراضٍ جديدة لدعم موقفه الدولي بناء على اتفاقيات تجري تحت الطاولة وفوق القوانين الدولية، ويبدو أن حصته الحالية تقتضي وصوله إلى مطار أبو الظهور العسكري.
إنّ سيطرة النظام على المطار ستقدم له دعماً عسكرياً إذا ما أعاد تفعيل المطار خاصةً في مجال الطائرات المروحية التي لم تكن تستطيع الابتعاد لمسافات بعيدة عن مطارها، أما مع وجود مطار قريب من المناطق المحررة فسيزيد بذلك قوته الجوية في الطائرات الحربية والمروحية.
وفي ظل هذه التغيرات ينبغي الانتباه لكل المستجدات المحلية التي تشهدها المناطق المحررة إضافة إلى التفكير بمصير المدنيين الذي نزحوا إلى مناطق متخمة بالسكان والخيام، فهؤلاء هم محور المفاوضات وهدفها الأول، والمتاجرة بمصيرهم ستندرج حتماً تحت بند النفاق السياسي الذي يميز مفاوضات سوتشي وأستانا.
إن آخر المستجدات على الساحة السورية ما هي إلا سيناريوهات مكتوبة مسبقاً بأيدي الثلاثي (روسيا وتركيا وأمريكا) فروسيا انسحبت من عفرين، وكذلك أمريكا رفعت يدها عن ممثلها الأهم في الحرب السورية وهو المكون الكردي، وهذا ما يرجح فكرة أن الأيام القادمة قد تشهد تقسيماً على أساس العرق والطائفة، فاتفاق شرق السكة الأخير لم يصدر عبثاً، وما يجري مؤخراً من دخول القوات التركية إلى عفرين وريف حلب الجنوبي يدعم فرضية الاتفاق التي تقضي برسم الحدود بين مناطق المعارضة والنظام خاصة مع تلويح المسؤولين الأتراك بعودة السوريين إلى سورية من خلال توفير أراضٍ جديدة تستوعب التضخم السكاني لعدد النازحين والمهجرين، أما الأكراد فقد تكون المدن التي حرروها من تنظيم الدولة بمساعدة أممية حصتهم من الأرض السورية.
إذاً خيار التقسيم بات أكثر وضوحاً وأقل دموية مع تفاهم الدول المتفاوضة على المسألة الكردية ومحاربة التنظيمات التي تُعد إرهابية دولياً، والكلمة الأخيرة قد تكون في الجولة القادمة من مؤتمر سوتشي المرتقب…