جاد الغيث |
تعتقد أنني أكرهك فقط لحذفك من جميع وسائل الاتصال لدي؟! لقد كنت أجرب فقط أن اتصل بك عبر قلبي، لكن للأسف فعالية الاتصال القلبي كانت ضعيفة جدًا، لقد اكتشفت كم أنا بارع في تقمص الأدوار وارتداء الأقنعة، كنت أظن أنني أحبك ومعجب بأفكارك.
على مدى سنوات كنا نلتقي على الصفحات الزرقاء، ونضع إعجابًا لا إراديًا على منشوراتنا، ونرسل الرسائل الصوتية لبعضنا عبر (الوتس آب)، وكثيرًا ما التقينا في أماكن عامة، وشربنا الأكيلة ولعبنا بالورق وتصورنا سيلفي مرات عديدة، كلانا كان مبتسمًا، وكانت تظهر علامات محبتنا في بريق الصورة، ربما كان وقتها بريق (فلاش الكاميرا).
كل ذلك لم يعد يهمني، المهم أنني شفيت من وهم الصداقات المزيفة، وآمنت مؤخرًا بمبدأ قد لا يروق لك: (للعلاقات مدة صلاحية كالمعلبات تمامًا)، لا تغضب فالواقع المؤلم أفضل بكثير من الوهم المريح.
أكثر شيء يؤلمني الآن أطراف أصابع يدي اليمنى التي طالما كتبت إليك كلمات كانت تموت في حينها بمجرد أن تولد على شاشة جوالك، وما بين رحلة العبور من طرف (أصبع الشاهدة) الذي أكتب به عادة، إلى طرف عينيك، كانت تنزف مشاعري وهي تسأل: لماذا كل هذا النفاق الاجتماعي؟!
هل لأنك مديري في العمل؟! أم لأني شخص مجامل ضعيف الشخصية لا يجرؤ على قول كلمة (لا)؟! ربما بسبب كل ما ذكرته سابقًا.
والآن سقط القناع، ولم أعد أقوى على متابعة الطريق بوجوه متعددة، منذ اليوم سأكون بوجه واحد، وقلب واحد، ولكن قبل أن نفترق، وقبل أن تغضب، هل أنت مؤمن بنظرية (الصداقات كالمعلبات) لها مدة صلاحية، ولماذا انتهت صلاحية صداقتنا بسرعة؟!
لا، يا عزيزي لم تنتهِ بسرعة، أربع سنوات كافية لتوقف علاقة ما، أو انتهائها، لقد تغيرنا، ربما أنت أو أنا، دعني أتحدث عن نفسي، نعم، أنا تغيرت، بل تفاجأت من هول كارثة المجاملات والكذب في المشاعر والأقوال، عندها أصابني الملل، بل (القرف) من كل شيء يحيط بي، أصبحت أشاهد أنصاف أفلام وأقرأ أنصاف كتب، حتى أثناء النوم أتقلب كثيرًا، وأضجر ثم أنهض من وسط حلمي.
أكتب نصف مقال، وأرسم لوحة ناقصة معقدة، أصنع طعامًا لا تمتد إليه يدي، لقد فقدت شهيتي، لأنني لم أعد أنا، لم أعد أشعر بشهية تجاه أي شيء، صرت كما قال يوما أحد الحكماء: (أشتهي أن أشتهي).
لا يمكن أن أطيعك في كل شيء لأن حريتي أغلى ما أملك، وأنت تصادر حريتي وفق هواك، والآن ستغضب لأني سأغرد خارج سربك، وأحلق في سمائي بعيدًا عن سمائك.
أغضب كما تشاء، لأني نزعت عن وجهي القناع، نعم، أنا أتغير، لأن الكون كله يتغير، السماء تغير سحابها، النهر يغير ماءه، الأرض تغير قشرها، والشمس كل يوم لها أفق جديد..
انزع قناعك، وتغير معي، وإن كان جوابك لا، فستبقى وحيدًا حيث يتحرك ويتغير حولك كل شيء.
وداعًا صديقي المُحبط، انتهت فترة الصلاحية، أتمنى لك حياة هنية، لن أندم على غيابك لأني قرأت اليوم جملة أعجبتني “لم يحدث أن أصابني ضرر في المرات التي كنت فيها واضحًا وجافًا، وحدها المرات التي كنت فيها لطيفًا هي التي ألحقت بي مزيدًا من الضرر”.