منذ أول صرخة حرية في وجه الاستبداد والظلم، بدأ يتشكَّل النفقُ أمام السوريين، لقد كان مظلماً وطويلاً، لكنه كان مملوءاً بالأمل والإرادة، لم يكن موحشاً رغم ظلمته، بدا كأنه يُفضي إلى فرج قريب، وحلم يرتسم على جدرانه بالحرية والانعتاق، كان دخول أول النفق هو اختيار لتحطيم جدران السجن الكبير وهزها من أساساتها الهشة، التي ملأتها جثث المظلومين، وتسربت دماؤهم بين شقوقها فأحالتها أنقاضاً توشك على الانهيار.
أَعجبنا أن النفق كان يضخم صوتنا، يصدر صدىً مفعماً بالعزيمة والقوة، أعجبنا أننا لم نكن نخافه، بل جعلناه مكاناً نأوي إليه في حربنا الطويلة تلك، نحتمي به من الموت الذي ينهال علينا في كل مكان، ونعيد هندسته بطريقنا كي يكون طريقاً للخلاص.
صعدنا وجهَ الأرض، وقاتلنا تحت الشمس كما يفعل الأبطال، وتركنا نفقنا للحظات المواجهة الحاسمة، لقد حضَّرناه جيداً من أجل معركة النصر عندما نقلب الأرض من جذورها على أعدائنا ونخرجُ لهم من باطنها براكين ثائرة، فعلنا كلَّ ما يمكن أن يفعله المقاتلون في سبيل الحق بعزم واجتهاد.
لكن السماء لم تكن لنا، صبرنا على جحيمها المتقاطر فوقنا، حتى إذا ما أعجزنا نارها، تحالف الشرّ كله ليخنقنا في أكثر نقاطنا تحصينا، حيث نتقاسم الهواء في ذلك النفق فلا يبقى من الهواء إلا ما نختنق به جميعا.
أصابتنا الخسارة على الرغم منّا، خرجنا من أرضنا، وتركنا الجميع يرى كيف أننا أجدنا هندسة طريقنا إلى الحرية، لكن الغلبة كانت للظلام في هذه الجولة، بقي النفق وبقيت دوما، وبقيت الغوطة وبقيت داريا وحلب والوعر ومضايا وجوبر، وبقيت معركتنا مشتعلة وما تزال رغم الخسارات التي تعرضنا لها، لأن طريق باب الحرية لم يغلق بعد، وما نزال نتوق إلى تجاوز النفق، والوصول إليه ما دام في الروح بقية ..
المدير العام | أحمد وديع العبسي