بقلم : غسان أبو عبد القادرلا أحد يعرف كم جثةً ترقد في ظلمات البحر الأوربي وبأي قاع رقدت تلك الأجساد وبأية طريقة فارقت أعينها ضوء الشمس، فمنها من ترقد في بطون الحيتان، ومنها من تستقر في عتمة الرمال..هم أشخاص من وطني أرادوا تغير خارطة حياتهم بعد أن تغيرت خارطة وطنهم، تطلعت أعينهم إلى الشمال البارد ليتقوا لظى نار يصبهاعليهم مجنون حاقد…أرادو أوربا التي قيدت الهجرة الشرعية وأهملت طلبات اللجوء المتبعة في سفاراتها ومنظمات الإغاثة الدولية ليضطر السوريون لاتباع طريقالهجرة غير الشرعي، مما أعطى تجار الموت فرصة لممارسة نشاطهم في مياه المتوسط مع تفلت أمني في معظم دول هذا البحر..وفي غالب الأحيان يحاول هؤلاء المساكين الحصول على أمكنة بما ادخروه من شقاء جباههم إما بغرف المحركات أو الحمامات أو الصعودكالقطعان في قوارب بالية يرسلهم بها تجار الموت، ومصيرها عدم الرجوع في حال وصلت أو لم تصل، لتتهادى فوق مصيرهم المحتوموتنساب إلى قاعه ببطء بما تحمله من أمان وأحلام وأرواح…يصعد البائسون تلك القوارب التي أقل ما يمكن وصفها بأنها توابيت مفتوحة يرون من فوقها خلفَ زرقة البحر نرجسية العالم المتقدم وأشياء لا يستطيعون رؤيتها حتى بأحلامهم كما يظنونولكن وللأسف يعترض هذه الأحلام شبح الموت الذي فروا منه ليعانقوه وسط عباب البحر وطلقات الغدر من تجار الموت وغيرهم.هذه رحلة الموت لأهلنا التي تبدأ بأسمائهم وتنتهي بأرقام على أجسادهم، ليحمل الرقم كنيته (سوري)..ليس هناك أبلغ من رسالة يلفظها البحر على شواطئهم من وقت إلى آخر ليشعروا بمن أهداهم الأبجدية قادمًا من نفس هذه الجهة..إن أصعب ما في الأمر تصور أب تحشرج حنجرة طفله بماء الملح ويجرح أجاجه روحه أمامه، ليقف مكتوفا أمام صراخ أطفالهحائرًا ونظرات زوجته، آسفا لما أوقعه بها، عاجزًا عن حملها، وفجأة تمر أمه أمامه تطفو مبتعدة تتهادى الأمواج روحها..هذا المشهد هو مصير مئات العوائل السورية منذ ثلاث سنوات وحتى الآن، أتمنى من كل إنسان أن يهديه لأرواح من رقدوا بين نار طاغية وشواطئ من البشر خاوية..