علي سندة |
في مشهد حضرته، سأل الدكتور المُحاضِر السؤال التالي لأكثر من ثلاثين طالبًا (أكاديميًا) كلاً على حدة، ومنهم متخرجون يمارسون أعمالًا صحفية: “ما هويتك السورية؟”
الأصل في الهُوية الوطنية أن تكون الإجابة عنها من المسلمات لدى أفرادها، لكن الإجابات كانت متنازعة بين الدِّين والعِرق والبلد وما يتفرع منها، بل كانت السمة الأبرز بين الإجابات كلها عدم التفريق بين انتماء عام يمثل سورية وبين انتماء خاص يمثل الفرد نفسه، وهذا ما يؤكد وجود أزمة هُوية بين المثقفين السوريين خاصة، فضلًا عمَّن يمارس السياسية حاليًا، وصولًا إلى عامة الشعب، لتتفجر أسئلة ذات إشكالية كبيرة لاسيما أننا مقبولون على بناء جديد لسورية، هل هناك هوية أم هويّات في سورية؟!
من الطبيعي أن يكون هناك هويات وهذا ما يميز الدولة، ودمج تلك الهويات هو إلغاء للتمايز والتفاعل الثقافي الذي يصنع الحضارة، ولكن ربما يكون الحل بأن نسأل أنفسنا: أين المواطنة التي تستطيع جمع هذه الهويات كلها في الانتماء للفضاء الجيوسياسي السوري؟!
للإجابة على الإشكالية السابقة لا بدّ أن نبدأ من جذر المشكلة التي يعود عمرها إلى زمن وصول الأسد الأب إلى السلطة وإنشاء حكم دكتاتوري، أما كيف أثَّر ذلك على المواطنة السورية، فاختلافات الطلاب العميقة تدلنا، حيث إن شعور كل واحد منهم بالظلم الذي لحقه وشربه من بيئته والطائفة التي ينتمي إليها جراء الدكتاتورية التي عملت على تغييب المواطنة السورية وتعزيز الهوية في مقابلها، جعلتهم يظهرون انتماءهم الخاص، فاستعملوه في المقام العام في أول فرصة سُنحت لهم، دون استشعار وجود مشكلة كبيرة، وهي غياب الهُوية الجامعة.
لست في هذا المقام بصدد تحديد هُوية سورية تجمع السوريين، فهذا الأمر متروك لكل السوريين دون استثناء أحد، وتحتاج الكثير الكثير من الحوار للوصول إليها، إنما بصدد توصيف مشكلة عدم وجود هُوية سورية منذ عقود، إذ إن الهُوية التي لها مرتكزات عدة (الدين، والأرض، والقومية، واللغة..) ، غيبها الدكتاتور الأسد، فغابت معها المواطنة وحلَّ مكانها هُويات خاصة لا تمت إلى الدولة بِصلة إنما إلى الدكتاتور والولاء له، فصارت سورية دولة دون هُوية (فاعلة) أي دولة بلا حقوق، فغابت المواطنة وصار على المواطنين العطاء الدائم (الواجبات تجاه الدولة) دون تحصيل أدنى حق لهم، وشعورهم أن الدولة تستعبدهم وتسرق منهم قوت عيشهم ولا تعطهم شيئًا.
إن فهم غياب المواطنة متعلق بفهم النظام السياسي للدولة، فلو أخذنا سورية منذ حكم الأسد الأب وقومية حزب البعث الحاكم، لوجدنا أنها مليئة بشعارات مزيفة فارغة، وبناءً عليه لا يمكن أن نقول إن هُوية سورية هوية حزب البعث القومي العربي، وما حدث من قتل وتشريد في الثورة يُبت ذلك.
الحقيقة تتجلى بأن الأسد الدكتاتور لم يعمل على تعزيز الهوية السورية بين السوريين، لأن ذلك يعني إنهاءه، إنما عمل على صنع هويتين أساسيتين لا ثالث لهما ليبقى في الحكم: هُوية الموالي، وهُوية المعارض، وعليه تعيش سورية منذ عقود.
بالمختصر الهُوية السورية والمواطنة مفهوم محوري في العدالة المجتمعية، بل الهُوية هي اللبنة التي ترتكز عليها السلطة لتعزيز المواطنة، وهذا ما غاب في دولة الأسد فتفاقمت المشكلة وظهرت جلية عند أول مساحة حرية، وبالتالي المشكلة لا تُحل بمنشور فيس بوك، إنما تحتاج حِوارًا على طاولة واحدة للخروج بهُوية جامعة لكل السوريين للانطلاق من أرضية صلبة في بناء سورية بعد الأسد، فما أفسده الأب والابن خلال عقود لا يُرمم بساعات وجلسات أحادية وآراء متشعبة.