لا شكَّ أنّ مقتل علي عبد الله الصالح على يد الحوثيين هو من نتاج المتغيّراتِ السياسية و العسكرية على الساحة اليمنية و ما اعترى ثورتها من تشوهاتٍ وتعديات من قبل تنظيم القاعدة وميليشيا الحوثي حتى وصلت لدرجة خطف ثورته وانحراف بوصلتها بيد المعسكر الايراني ، غير أنّ الإطاحة بالديكتاتور وزمرته هو من ثوابت و مفرزات ثورة الشعب اليمني فصدقتِ النتيجة وإن تغيرت الظروف والوسيلة.
والشاهد هنا أنّ الحبال التي لعب عليها صالح لخنق ثورة اليمنين وسرعان ما التفت على رقبته وأنجز فيه وعد الله ” ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله “
لقد أعادت مشاهد مصرعه إلى نفوس شباب التغيير وميض الأمل على الرغم من كل طعنات الغدر، وأسافين الخنوع والتسليم التي دقت بين واقعه وآماله في مسيرة التغيير.
لا بل أدى مقتله لترسيخ فكرة أنّ الثوراتِ وما فيها من ثغراتٍ وتعثرات ماهي إلا حاجة وضرورة إنسانية لمجتمعاتنا العربية في باكورة التقدم الحضاري تطور نفسها بنفسها وتصحح مساراتها بما يتماهى مع الظروف السياسية والاجتماعية لكل بلد وإن جنحت عن مسارها لأسباب داخلية وخارجية فأن جذوتها لن تنطفئ.
لقد أثبتتِ التجارب أنّ هذه الأنظمة عميلة لنزواتها وشهواتها ولحب السلطة على حساب تقدم وتطلعات شعبها، فعمق الفساد والخيانة المستشري في نظام علي عبد الله صالح أودى به في مهاوي التهلكة التي نصب شباكها مع ألد أعدائه متستراً بدعوات الإصلاح والتجديد والعمل السياسي طمعاً بالعودة لكرسي الحكم.
فاتكم القطار هي أشهر عبارات صالح لشباب صنعاء ولم يدر رغم حنكته أنّ ثوراتِ الشعوب هي من تقود قطار الثورة على موروثات الحكم والأنظمة الديكتاتورية نحو تحقيق ذاتها وهويتها وبناء مجتمعها.
أما الرسائل والدلالات السياسية لمقتله فهي بالدرجة الأولى إيرانية لكل حلفائها العرب في (العراق – سوريا – لبنان) من تيارات وسياسيين وعلى وجه الخصوص سعد الحريري وبشار الأسد في حال تغيير سياستهما تجاه مخططاتها لأنها باتت تعلم حجم الضغط الدولي والإقليمي الممارس عليهما للتخلي عن إيران وإن كان الوجه الآخر لقرار قتله هو انتهاء الدور المطلوب منه في دعم سياسات طهران في اليمن وتمكين ميليشياتها من مفاصل الحكم في صنعاء، وهي مسمار إيراني في نعش السعودية وتحالفها الذي تآمر على ثورات الشعوب بالدرجة الثانية وذلك بعد تسريبات عن ترتيبات أجرتها الإمارات لإخراج صالح من اليمن، وإنهاء تحالفه مع الحوثين وذلك لانتزاع المظلة السياسية التي وفرها صالح لهذه الميليشيات
ويبقى السؤال الأهم في هذه المرحلة هل سيستطيع اليمنيين استعادة الثورة التي سرقتها إيران؟، وكيف سيتعامل الشعب اليمني مع مصالح محيطه الإقليمية بعد أن وقعت ثورتهم ضحية لأطماع إيران وتجاذبات الأحلاف والصراعات التي تدور في فلك المصالح الخليجية والتي تشبه إلى حد ما ظروف المعارضة السورية في تحقيق التوازن بين مصالح حلفائها ومحاربة أعدائها؟.