أنا مسمار أسود لست بالطويل ولا بالقصير، اكتسبت لوني من حزني ذلك أنني كنت أتمنى أن أكون فراشة أو عصفورًا أو حتى نخلة في بستان، غير أني وجدت نفسي في كعب حذاء لعامل فقير، أتعبتني الطرقات الموحلة التي مررت بها كثيرًا، فشوهت شكلي ومزقت قلبي، إذا كان لا بد من أكون مسمارًا فقد كنت أحلم بمسكن يليق بي، كم أتمنى أن أستقر في كعب حذاء لفنان مشهور، أو رجل سياسة، عندها فرحتي لا يمكن أن أعطيها لأحد.
مرة واحدة فقط رأيت عن قرب حذاء رجل مهم، كنت أقف على سجادة فاخرة ناعمة لونها أحمر، كان الشتاء قارسًا جمَّد عروقي الحديدية، آه ما أحلى تلك اللحظات كانت قصيرة للغاية، وكنا أنا ورفاقي المسامير ننعم بدفء لا يمكن وصفه، ولكن بعد ساعة واحدة أو أكثر قليلاً وجدت نفسي في حاوية أوساخ تفوح منها روائح كريهة، كانت أسوء بكثير من رائحة الحذاء الذي مازلت مرتبطًا به، يبدو أن الرجل المهم قد أفاض في عطائه للعامل الفقير فراودته نفسه بشراء حذاء جديد فيه مسامير فتية وقوية تقرع الأرض بنشاط وبصوت يجعل صاحب الحذاء يشعر بزهو لذيذ، أما أنا ورفاقي فقد كانت المسافات الطويلة التي مشيناها قد جعلتنا بلا رؤوس، وأنا شخصيًا لم يبقَ مني سوى ذلك الجزء المستقيم المحشو في قلب الكعب، مكثت أيامًا في قلب الحاوية الكريهة، وبعدها وجدت نفسي في طريقي إلى معمل الصهر، سأعود لأحيا من جديد، ولربما أصبح هذه المرة مسمارًا في حذاء رجل مهم، ولكن خوفي في أن أعود لأعيش حياتي السابقة مرة أخرى جعلني أتردد كثيرًا في أمنيتي، تخيلت أيضًا أن الرجال المشهورين يغيرون أحذيتهم باستمرار ولربما أُنسى في زاوية خزانة الأحذية وأموت اختناقًا بين الرفوف المليئة بأحذية متعددة الألوان، وربما يتبرع ذلك الرجل المشهور بحذائه لرجل فقير مرة أخرى كما حدث مع صاحبي الأول فأعود لأكرر مأساتي مرة ثانية، ولو كان الاختيار لي لتمنيت أن أكون جزءًا من مطرقة حذاء، فمن شدة الضربات التي تلقيتها على رأسي في حياتي السابقة امتلأ قلبي غيظًا وحقدًا، وحتى أعيش مرتاحًا في حياتي الجديدة المقبلة لا بد من تفريغ غضبي وحقدي الدفينين على رؤوس مسامير لا أعرفها تُدق في كعوب أكرهها.