باسل عبود |
بعد انقطاع دام حوالي ستة أشهر عادت مادة المازوت (السوري) إلى دخول المناطق المحررة عبر المعابر الواصلة مع مناطق سيطرة تنظيم (قسد).
حيث كان لغياب هذه المادة الرئيسة أثر سلبي كبير على الواقع المعيشي لارتباطها بالتدفئة لدى شريحة كبيرة من المواطنين الذين لجؤوا إلى البدائل بسبب ارتفاع سعر المازوت الأوروبي الذي يأتي عن طريق تركيا، كما انعكس أثر ذلك على باقي الأمور المعيشية، فضلًا عن انهيار الليرة السورية أمام الدولار وانعدام القدرة الشرائية لدى أغلب المواطنين، فكانت البدائل المستوردة من الخارج مجرد حلول مؤقتة وإسعافية ليست مستدامة، فأسعار المحروقات وصلت إلى أرقام خيالية في الشمال السوري لارتفاع التكلفة الإنتاجية عالميًا من جهة، وهبوط قيمة العملة السورية من جهة أخرى، لأن المشتقات النفطية المستورة تُسعَّر بالدولار حسب السعر العالمي مع زيادة أجور النقل وأرباح الشركة المستوردة والموزعين المعتمدين في ظل أوضاع معيشية صعبة يعيشها معظم السكان نتيجة المعارك والنزوح وانعدام فرص العمل.
إن انخفاض أسعار النفط عالميًا إلى مستويات قياسية مؤخرًا يعود إلى سببين، الأول فيروس كورونا الذي شل حركة الدول المُنتشِر بها وباقي الدول بشكل عام لانعدام السفر وتخوف العالم، والآخر الصراع على الزعامة النفطية بين أكبر منتجين للنفط في العالم (روسيا والسعودية)، حيث رفضت روسيا خطة تدعمها السعودية لخفض إنتاج الخام استجابة لتراجع الطلب في الصين، فنشب نزاع بينهما بعد انهيار اجتماع لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفائها في فيينا الأسبوع الماضي، فانخفض سعر خام برنت، وانخفض سعر سهم شركة أرامكو السعودية العملاقة للنفط إلى 29،70 للبرميل، واشتعلت حرب إنتاج للنفط يعني النصر فيها بيع المزيد والاستيلاء على حصة أكبر في السوق بغض النظر عن السعر، كل ذلك خفَّض الطلب على المشتقات النفطية لكثرة العرض.
إن هبوط الأسعار شكل دافعًا رئيسًا لإعادة ضخ النفط إلى المناطق المحررة من قبل تنظيم (قسد) الإرهابي، فقد وصل سعر برميل النفط الخام عالميًا إلى 33 دولارًا أمريكيًا، بعد أن كان سعره 60 دولارًا أمريكيًا قبل أقل من شهر، وذلك بالنسبة إلى (قسد) يعني أنها لم تعد بحاجة تصدير النفط خارج سورية بسعر رخيص طالما هناك سوق محلي متعطش لهذه المادة بسعر أعلى بكثير من السعر العالمي الذي يشهد انخفاضًا.
السيد (حسين أبو الحسن) صاحب حراقة تكرير نفط في ريف حلب الشمالي التقيناه للحديث عن المحروقات حاليًا، حيث أفادنا بقوله: “في السابق كان يأتينا النفط خامًا (فيول) ويختلف سعره حسب النوع والجودة، فلكل حقل نفطي جودة خاصة، يتم بعدها تكريره عن طريق الحراقات البدائية التي نعمل بيها، ثم يتم بيع المشتقات النفطية من (مازوت، وكاز، وبنزين) بأسعار مقبولة إلى حدّ كبير، أما ما حدث مؤخرًا فهو دخول صهاريج تحتوي على مادة المازوت فقط من النوع الرديء الذي لا يصلح لجميع الاستخدامات، فلا يصلح وقودًا لجميع السيارات (كالسيارات الحديثة التي تعمل بخاخاتها على الكهرباء) ومع ذلك مرتفع الثمن، فسعر البرميل وسطيًا 120دولارًا أمريكيًا، وهو سعر مرتفع جدًا عن السابق على الرغم من انخفاض السعر العالمي، ونأمل أن ينخفض سعره وتتحسن جودته في الأيام القادمة إذا كثر العرض وقل الطلب، واستمر السعر العالمي على ما هو عليه حاليًا، وبدء ضخ النفط من مناطق قسد أرى أنها خطوة أولى لتحسين الوضع في الشمال السوري.”
أغلب الناس اليوم في المناطق المحررة ترى في عودة المشتقات النفطية بريق أمل في تحسن الوضع المعيشي، لعل النشاط الاقتصادي يعاود الحركة مرة أخرى، فالنفط عصب الحياة التي ضاقت على سكان المحرر من كل الجهات، ولكن كما يقال: “مصائب قومٍ عند قومٍ فوائدُ” من كان يظن أن فايروس كورونا الذي تحول إلى وباء عالمي وشل الاقتصادات العالمية وأحدث حربًا نفطية بين المصدرين للنفط سيكون سببًا في انفراج إحدى أزمات هذا الشعب المكلوم وهي المحروقات؟! ربما سيكون سببًا في حل باقي أزماتهم.