انتقدت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا الحملة التركية في شمال سورية بحدة، لكن الدول الثلاث لم تطلب من شريكها في الناتو الانسحاب حتى الآن.
إن مفتاح الموقف التركي هو تقليل الخسائر الذي يعني توسيع أنقرة لعملياتها والضغط لطرد الأكراد من عفرين وكامل الشمال السوري.
المشكلة عند الغرب هي أنه لا يمكنه تحمل خسارة الدعم الدبلوماسي التركي، فتركيا تلعب دوراً حيوياً في مواجهة السلام الذي فرضته روسيا.
والانخراط التركي في القتال ضد الأكراد على حدودها قد يؤدي بالرئيس رجب طيب أردوغان إلى التوصل لاتفاق مع موسكو، وهذا قد يؤدي إلى كارثة بالنسبة إلى الولايات المتحدة التي أعلن وزير خارجيتها ريكس تيلرسون منذ أسبوع فقط أن إدارة ترامب ملتزمة بالحل السياسي في سورية الذي يتضمن رحيل بشار الأسد والميليشيات الموالية لإيران.
الخطاب الأخير الذي كان لوزارة الخارجية البريطانية يدٌ في إعلانه جاء دون المتوقع بالنسبة إلى أوروبا، ففي السابق كانت سياسة ترامب بسيطة في سورية تقتصر على تدمير داعش ورفض الحديث عن بناء الدولة، لكن خطاب تيلرسون انتُقِدَ على نطاق واسع لأنه كان طموحا جدا لكن دون آليات لتنفيذه فيما يتعلق بالضغط على روسيا للتخلي عن بشار الأسد.
الدبلوماسيون الغربيون يقولون إن لديهم بعض نقاط القوة على الأرض: كالتهديد بوقف تمويل الاتحاد الأوروبي والأمريكي لإعادة الإعمار، ووعد بإبقاء 2000 جندي أمريكي داخل سورية الى أجل غير مسمى، وبعض الالتزام بمساعدة الأكراد على تشكيل قوة حدودية في الشمال السوري.
كما حذّر الوزراء البريطانيون مراراً من أن السلام الذي تريد روسيا فرضه ببقاء الأسد لن يكون مستحيلاً أخلاقيا فقط، وإنما غير قابل للتحقيق أيضا.
لكن قيمة كل من هذه النقاط آخذة في التراجع بشكل لا يمكن قياسه، وإن كانت تفتقر إلى دعم تركيا التي هي المؤيد الطويل الأمد للمعارضة السورية في هذه الحرب الممتدة منذ سبع سنوات.
فتعاون تركيا مع روسيا سيمكّن الأخيرة من المضي قدما في حلها السياسي لسورية، فهي ستطلق الأسبوع القادم مؤتمر الحوار السوري، بالتعاون مع تركيا وإيران، ومن المقرر أن يُعقَد في منتجع سوتشي على البحر الأسود ما بين 29و30 من شهر كانون الثاني.
ويخشى الغرب من أن ينظر فلاديمير بوتين إلى مؤتمر سوتشي كبديل لمحادثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة، في محاولة منه لتأكيد السلطة الروسية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، كما يمكن أن يكون طريقاً لتمرير اتفاق يترك للأسد صلاحيات إجراء بعض التعديلات على الدستور السوري، وبالتالي بقاؤه في السلطة.
وفي محاولة للحفاظ على ريادة الأمم المتحدة في رعاية عملية السلام السورية وتحقيق سياسة طويلة المدى مقبولة على نطاق واسع، سيعقد المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سورية ستافان ديمستورا دورتين للمحادثات بين الطرفين قبل سوتشي في 25و26 كانون الثاني.
وكانت موسكو قد أجّلت مؤتمر سوتشي أكثر من مرة، والسبب الرئيس هو رفض أنقرة لأي مشاركة لحزب التجمع الديمقراطي الكردي (بي واي دي) وجناحه المسلح (واي بي جي)، فتركيا تعتبرهما وثيقي الصلة بحزب العمال الكردستاني الذي يمتد وجوده الى الداخل التركي.
لكن أحداث الأيام الأخيرة تشير إلى أن روسيا وتركيا على وشك التوصل إلى اتفاق، فقد سافر مسؤولون عسكريون أتراك إلى موسكو قبيل الحملة التركية بغرض أخذ ضمانات أن القوات الجوية الروسية في سورية لن تهاجم الوحدات التركية، ويوم الإثنين الماضي أعلنت موسكو أنها ستدعو ممثلين عن الأكراد إلى مؤتمر سوتشي دون توضيح هوية هؤلاء المدعوين.
ويبدو من الخطوط العريضة للصفقة المبرمة بين تركية وروسيا موافقة تركيا على عملية السلام الروسية، وموافقة روسيا على الحملة التركية لإضعاف الأكراد السوريين على حدودها.
يمكن للولايات المتحدة القول إنها كانت تتسامح مع التوسعات المناطقية الكردية فقط عندما كانت تحتاجهم في حربها ضد داعش، أما وقد انتهت هذه الحاجة بعد الانتصار فقد باتت الأولوية لوقف التدهور في العلاقة مع تركيا، والسماح لها بموطئ قدم مؤقت في سورية.
الكاتب: باتريك وينتور المحرر الدبلوماسي في صحيفة الغارديان.
رابط المقال الأصلي: