غسان الجمعة |
لم يستطع الرئيس الأمريكي أن يتجاهل ضغوط الكونغرس الأمريكي واللوبي المعادي لتركيا لفترة أطول من ذلك بعد مرور أيام على إطلاق عملية نبع السلام، وقد أوفد نائبه مايكل بنس إلى أنقرة لإبرام اتفاق جديد بخصوص المنطقة الآمنة التي تريد تركيا إقامتها، وقد أسفر الاجتماع عن بيان مشترك اتسم بالنفس الأطلسي في إطار إعادة بناء خطوات الثقة بين الجانبين مع ضمان واشنطن تنفيذ مخرجات الاتفاق وفقاً للرؤية التركية.
ومنذ إعلان الاتفاق انخفضت حدة المواجهات بين قوات نبع السلام وميليشيا قسد إلى حد كبير، غير أن معركة إقليمية جديدة انطلقت بالتوازي مع ذلك نظراً لتعقد المصالح بين الأطراف الفاعلة في الملف السوري، حيث يسعى كل طرف إلى ضمان تنفيذ أجندته في الملف السوري مع كل حركة على رقعة الشطرنج السورية.
الإدارة الأمريكية التي أرادت تحقيق عدة أهداف عبر خروجها السريع بالرغم من انقسامها بين مؤيد ومعارض للانسحاب سعت لخلط الأوراق في مناطق قسد من مبدأ “فليكن من بعدي الطوفان” حيث نجحت في توفير ظروف الصدام بين اللاعبين من خلال إشارات أطلقتها لكل الأطراف في التوقيت نفسه، وأولها كان مدينة منبج وعين العرب السورية، حيث تعمدت إخلاء مواقعها والسماح للجميع بالدخول في سباق السيطرة والمواجهة.
حسابات واشنطن التي أدركها الروس والأتراك لم تثمر عن مواجهة فعلية؛ لأن ردة الفعل الروسية كانت محتملة إن لم يكن متفق عليها مع الجانب التركي، وكل ما كان ينقص الروس هو قيام أنقرة بالفعل للضغط على ترامب لتنفيذ انسحاب حقيقي، وهو ما حصلت عليه موسكو دون أن تفقد من أوراق سلتها التفاوضية أي شيء، بل إن الرئيس التركي أعلن لاحقاً أن لا مشكلة لدى تركيا بسيطرة الأسد على مناطق قسد.
هذه التطورات كانت في الحقيقة منتهى الأحلام للنظام السوري وحلفائه، وقد استدركتها الولايات المتحدة باتفاق 120 ساعة لإعادة رسم خرائط نفوذ جديدة بأقل الخسائر مع الجانب التركي دون أن يستثمر بها الأسد والروس على رغم من تنسيق أنقرة المستمر مع موسكو في الملف السوري.
كما أن استدارة ترامب الحادة في وجه ميليشيا قسد الإرهابية دفعتها للتحالف مع الشياطين واستنجدت بالنظام السوري لمساعدتها في خطوة قد تنسف المشروع الأمريكي برمته في سورية، بل إن إيران حسب تقارير محلية استقدمت المئات من ميليشيا الحشد الشعبي العراقي إلى دير الزور استعداداً للتوغل في مناطق قسد تحت مظلة النظام السوري، وهو ما دفع واشنطن لمراجعة حساباتها وشنها لغارات على قوات متقدمة على الضفة الشامية من نهر الفرات في إشارة تحذيرية منها لاستمرار بقائها في دير الزور، وقد صرح مسؤول بالبنتاغون “أن واشنطن مازالت تسيطر على الأجواء في شرق الفرات.”
مهلة 120 ساعة هي فترة ترقب تركي لتنفيذ قسد مطالب أنقرة، وفي الوقت نفسه هي مهلة أردوغان لإقناع بوتين بالاتفاق الأخير، بل إن صح التعبير إيضاح نوايا الجانبين لتطبيق هذا الاتفاق، وإلا فإن أنقرة ستتعرض لضغوط من موسكو فالموقف التركي بات في عنق الزجاجة بين مصالح روسيا والولايات المتحدة، وفي الأيام القادمة إما أن يسقط الاتفاق الأمريكي التركي لصالح الإستراتيجية الروسية بضغط عسكري تركي مستمر على شرق الفرات، وإما أن ينفذ برضا وتوافق حليفي الناتو، وهو ما سيغضب روسيا وعندها ستتوجه للضغط على تركيا وأول خطواتها ستكون في إدلب.
فهل استطاعت قسد تحويل تنازلاتها إلى قنبلة موقوتة تفجر وضعًا جديدًا يضمن لها مبررات بقائها في لعبة إقليمية ودولية جديدة؟