الأسوأ من المأساة الاستسلام لها وانتشار اليأس والقنوط ، فمن يئس من نفسه ضاعت همته، لكن المواطن السوري أبا المجد آثر بعث الهمة في نفسه ومن حوله بالعمل على إيجاد بدائل توفر الخبز والكهرباء بقريته في ريف اللاذقية.
نبع الماء الذي استثمره أبو الجود في طحن القمح وتوليد الكهرباء (الجزيرة) |
ومع استغناء الناس عن الطاحون الحجري، تم رفع حجارتها وتعطيلها، حتى بادر أبو الجود في بداية الثورة إلى تركيبها وإعادة تأهيلها وتشغيلها من جديد، حيث قصده كثير من الفلاحين لطحن القمح.ولتجاوز مشكلة شح المياه المتدفقة في الساقية، بادر إلى حقنها في مجرى حجري طويل مجهز سابقا للتدفق الكامل، وليعطيها تدفقا قويا، أخرج المياه في نهاية المجرى الحجري من خرطوم صغير، تمكن من تدوير حجر الطاحون بنجاح وطحن القمح للمحتاجين.ويقدر سكان المنطقة لأبي الجود جهده في تشغيل الطاحون الحجري لطحن القمح الذي عادوا لزراعته في حقولهم بعد أن منع النظام عنهم الطحين والخبز، ويقول الفلاح السبعيني أبو خالد “حرمنا من الخبز أياما ومرات كثيرة، حتى أعاد أبو الجود الطاحون للعمل بعد سنوات طويلة، وأوجد حلا للمشكلة، فأنا أضع جوال القمح على الحمار وأتوجه به إلى الوادي، لأعود به طحينا في المساء”.
كما يدين سكان القرية لأبي الجود “لأنه وفر الكهرباء مجانا، بعدما حرمنا النظام منها مع انطلاق الثورة السورية ووصول شراراتها إلى ريف اللاذقية الذي تحرر في العام ذاته” وفق قول أم عبد الله.ولم يقتصر استخدام نبع الماء الصغير على ذلك فقط، بل عمد أبو الجود لتشغيل جهاز لتوليد الكهرباء اشتراه مستعملا من قرية مجاورة، تمكن من توليد طاقة كهربائية تكفي لتغذية منازل عشرين أسرة في قرية الوادي الأزرق ليلا ونهارا.ويشير أبو الجود إلى أن الكهرباء التي يولدها الجهاز الذي يدوره الماء المتدفق يشغل كامل الأجهزة الكهربائية بمنازل القرية مجانا، وتقتصر تكاليف على عمليات الإصلاح التي قد يحتاجها جهاز التوليد بين الفينة والأخرى. ويؤكد أن الكهرباء لا تنقطع عن المنازل إلا فترات قصيرة، بسبب تحويل الماء إلى الطاحون لطحن القمح في حال طلب أحد السكان.يُذكر أن أبا الجود هرب إلى العراق بداية ثمانينات القرن الماضي بعدما لاحقته أجهزة النظام بسبب معارضته لها، وبقي حتى مطلع القرن الحالي، حيث عاد إلى سوريا بعد عفو أصدره الرئيس بشار الأسد، ولكنه سجن لمدة خمس سنوات، ليخرج بعدها للعمل في مزارع البيوت البلاستيكية بمدينة بانياس.ويقول إنه عاد إلى قريته “الوادي الأزرق” للمشاركة في الثورة بالطريقة التي يستطيع، ووجد في تأهيل الطاحون الحجري وطحن القمح مشاركة تناسب عمره بالثورة، ويضيف أنه كان يشتري القمح ويحوله طحينا، ويدفع من جيبه لمن يخبزه، ثم يأخذه للثوار على خطوط التماس مع قوات النظام.