غسان دنو |
حملوا ما استطاعوا من أمتعة وأثاث منازلهم ومعدات زراعة، وهربوا مسرعين على عجل بحثًا عن مناطق أكثر أمناً، لكن في الوقت نفسه يواجه نازحو ريف إدلب من (المعرة وريفها، وسراقب، وجبل الزاوية، وأريحا) مصاعب إضافية بعد هروبهم من الموت، ربما أبرزها عدم إيجاد مكان لأمتعتهم وأثاثهم، خاصة من استقر بهم الحال في الخيم المؤقتة بين أشجار الزيتون.
صحيفة (حبر) جالت على بعض المحلات المختصة بشراء الأثاث المستعمل في مدينة إدلب لمعرفة أعداد العائلات التي تأتي يوميًا لبيع متاعها ومقتنياتها الشخصية بشكل اضطراري.
يقول (أبو علي) صاحب محل في شارع الأربعين: “عشرات الأشخاص يأتون يومياً بهدف بيع أساس منازلهم، ولكن لا أستطيع أن أشتري كل شيء فالمعروض كثير ولا يوجد طلب، ونظرًا لذلك نركز في عملنا على الأكثر طلبًا من (إسفنج ومعدات مطبخ) التي أيضًا امتلأ محلي بها”.
ويتابع: ” هناك ركود عام في الشراء من قبل الناس، لذلك لا أستطيع شراء كل ما يأتي إليَّ رغم ثمنها (البخس) وخاصة بهذه الظروف والمصير المجهول للمحرر، كما أنني لا أستطيع المغامرة بشراء بضاعة صعبة النقل كالثلاجات والأجهزة الكهربائية الأخرى قليلة الاستخدام، لعدم وجود الكهرباء أساساً ولإمكانية خسارتها مستقبلًا فيما لو حدث نزوح هنا، لصعوبة نقلها كما قلت لك”.
أثناء وجودنا في أحد المحلات صادفنا عمار (اسم مستعار) الذي جلب العشرات من صحون البلور، والأواني المعدنية، ومثقب، وشاحن بطارية، وكلها أشياء يريد بيعها، عمار خجل بالبداية أن يُفصح عن أسباب البيع، لكن فجأة وبغصة قال لنا: “أبيعها لأُطعم أولادي” وأشار إلى ثلاثة أطفال دون سن العاشرة كانوا برفقته بلباس وأحذية لا تناسب هذا الجو القارس.
وبحسب البائع (أبو عبدو): ” هناك العشرات من العائلات في الأسابيع الماضية التي أتت إلى مدينة إدلب تبيع ما لديها لتأكل وتشرب بعد أن نزحت من منازلها وأراضيها الزراعية التي هي مصدر دخلها اليومي الوحيد”.
أما البائع (أحمد) صاحب بقالية فهو يشتري بضائع بقالات أخرى تمكن أصحابها من تحميلها قبل اشتداد القصف وفروا مبكرًا، وأحمد هو الآخر يقول: ” بضائع جيدة بأسعار أقل من سوق الجملة، ولكن لا سيولة كافية لأشتري كميات، كما أن تقلبات أسعار صرف الليرة تجعلك لا تغامر بعمليات شراء كبيرة” ويتابع ضاحكاً: “حتى نحن ممكن أن ننزح لا سمح الله”.
فيما لجأت سيدة من مدينة أريحا التي هجرها معظم أهلها بسبب كثافة القصف لبيع أثاث بيتها (فرن، وغسالة، وغرفة جلوس) والعديد من الأشياء الأخرى عبر منشور فيس بوك.
بالإضافة إلى إعلانات من قِبل محال تجارية مختصة بالألبسة تبيع بضائعها بأقل من رأسمالها لجمع أكبر قدر من الأموال وافتتاح أخرى شمالًا في أعزاز أو عفرين.
وعن أسباب البيع الأخرى، رصدنا أثناء جولتنا العديد من المنشورات والإعلانات على صفحات التواصل الاجتماعية بعنوان: (للبيع بداعي السفر) معظمها لأشخاص نزحوا مؤخراً من المناطق التي تقصف بشكل يومي من قبل الطيران الروسي.
لكن الفرق بين الأشياء المعروضة على أرض الواقع وبين المعروضة على وسائل التواصل يكمن بنوعية الشيء المعروض، حيث إن ما يُعرض على وسائل التواصل بشكل عام جُله يكون للممتلكات ذات القيمة الأعلى (سيارات، دراجات نارية، معدات صناعية وزراعية..) وكلها لم تعد ذات نفع لأصحابها الذين اتخذوا قرار الهروب إلى تركيا التي تشهد حدودها عبورًا شبه يومي مع ازدياد الطلب على التهريب وارتفاع أجور المهربين إلى الضعف واستغلال حال النازحين.
والنتيجة أن سوق الأثاث المنزلي وأدوات الركوب والزراعة والصناعة أصبح فيهم نسبة العرض كبيرة أمام الطلب نظرًا لسوء الأحوال في الشمال السوري عامة نتيجة القصف وتقدم النظام والنزوح، وأمام كثرة العرض ثمة من يبخس الناس أشياءهم مستغلًا ظروفهم، وثمة من ينصفهم بالأسعار ويدعو الله لهم بالسلامة والعودة الظافرة.