منيرة بالوش
بعدما كادت يد الأميّة أن تُقطع عند الكبار، رجالاً ونساءً، عبر دورات ” محو الامية ” ورغبةً منهم بالقضاء عليها واكتساب الخبرات العمليّة نحو طريق العلم ولاسيما في القرن الواحد والعشرين وعصر التكنلوجيا فمن الظلم أن يبقى أحدٌ ما لا يجيد القراءة والكتابة.
بيدَ أنَّ المستغرَب في عصرنا هذا أنَّ بذور الأميّة لاقت طريقها إلى جيل الأطفال الصغار الّذين من حقوقهم التعليم والالتحاق بالمدارس.
تُعتبر الأميّة اليوم في سورية ندبةً جديدة خلّفتها الحروب والأزمات في جبين الطفولة يجب الإسراع في ترميمها والقضاء عليها قبل أن تنتشر وتستفحل تاركةً لنا جيلاً لا يفقه شيئاً عن أبجديّة حياته…
“وليد ” ذو العشر سنوات التقيته في روضة أطفال بدا عليه الخجل فهو يبدو أكبر سناً من أقرانه الذين التحقوا في الروضة بعمرهم الطبيعي، ومع ذلك يبذل جهده في أن يتعلم بسرعة ويتخلّص من أميّته ليلحق برفاقه من نفس عمره تقريباً…
الملفت أنَّ وليد مثل كثيرٍ من الأطفال الذين تأخّروا في تعلُّم مبادئ الكتابة في عمرهم المناسب، ولكنَّ محاولتهم التعلم واستدراك ما فاتهم هي أولى خطوات النجاح لمحو أميّتهم.
هنا في” إدلب “خاصة، المدينة التي لم تعرفِ الاستقرار منذ سبع سنين جراء الحروب وما أحدثته من انهيارٍ تام في النظام التعليمي بسبب هدم المدارس وتضرُّرها حتى صارت نسبة الالتحاق بالمدرسة لا تتجاوز 10%من الأطفال وما لا يقل عن 77مدرسةً في إدلب تعرضت للضّرر الكلي أو الجزئي نتيجة القصف، العشوائي لها، وأكثر المدارس الناجية من الدمار تستعمل كمراكز لإيواء النازحين.
ولا نغفل أنَّ الهاجس الأمني للأهل يمنعهم من إرسال أطفالهم للمدارس خشية على سلامتهم في ظلِّ بيئة مضطربة ومستهدفة.
ناهيك عن استغلال بعض الأسر لوجود ابنائهم خارج المدرسة وزجّهم في ميدان العمل وفقاً للظروف المعيشيّة الصعبة وإرسالهم للشارع لتعليمهم مهنة ما تغنيهم عن الحاجة عتد الكبر، وهذا الكسب المبكّر للمال عند الأطفال جعلهم لا يأبهون بحجم الكارثة التي تنتج عن تركهم مقاعد الدراسة والتحاقهم بأعمال تخدش طفولتهم الغضة…
هذه المشكلة ليست حبيسة طفل بعينه لم يتلقَّ تعليماً، بل هي مشكلة مجتمع بأكمله وجيل يخرج من غبار الحرب ليقع في مستنقع الأمية والجهل والتخلف، وهنا كان لابد من التصدي لهذه المشكلة حيث تبرز لنا محاولاتٌ خجولة لم تفِ بالغرض لكنّها قد تساعد في سدِّ ثغرة ما لتكون بدايةً لمحاولاتٍ أخرى،
حيث قامت عدة منظمات محليّة وإنسانيّة بإنشاء دوراتٍ تعليميّة في المدارس ورياض أطفال في إدلب وريفها تمّ خلالها استثمار جهود متطوعين من طلابٍ جامعين لم يكملوا تحصليهم العلمي تفرَّغوا لإقامة دورات مجانيّة لطلاب المرحلة الابتدائيّة والإعداديّة ضمن برنامج مخصَّصٍ لاقى قبولاً واستحساناً من الطلاب وذويهم.
ونحن بانتظار جهودٍ إضافية في هذه القضية وخاصة من الهيئات والمؤسسات المعنيّة بقطاع التعليم واستغلال فترة العطلة الصيفيّة لتجهيز المدارس لاستقبال عامٍ دراسي خالٍ من فوضى الحرب.
فهده الحرب الأخطبوطية مدَّت أذرعها إلى كافة جوانب الحياة وعاثت فساداً، بدءاً من الطفل وحقه في التعليم مروراً بجيلٍ غُيِّب عن مقاعد الدارسة وصولاً لمستقبلٍ يلفُّه التخلف والجهل إن لم يلقَ أذناً صاغية تساعد في وأد الأمية عند الأطفال قبل نموها أكثر.