سعود الأحمد
بعد المجزرة البشعة التي ارتكبها النظام السوري في (خان شيخون) واستخدامه فيها غاز السارين، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بمقتل حوالي 100 شخص اختناقا معظمهم من الأطفال، وقد قام الطيران الحربي للتوغل في الإجرام بضربات جوية متتالية ليستهدف أماكن إسعاف المصابين بالهجوم الكيميائي.
يبدو أن وقف إطلاق النار الذي توصلت إليه روسية بعد التوسط مع إيران وتركية هشّ للغاية ولا يوجد إلا على الورق، وفي عرف الاتفاق مع الأسد فإنه يحق له ما لا يحق للطرف المقابل، ويبدو أيضا بعد هذه الحادثة الوحشية أن النظام السوري لم يدمر أسلحته الكيميائية بالكامل ولم يقم بتسليمها ولم يلتزم بالاتفاق الذي تم التوصل إليه عام 2013م بعد المفاوضات التي أجريت بين الطرفين الروسي والأمريكي، والأسوأ من عدم تسليم الأسلحة المحرمة هو استخدامها ضد المدنيين العزل والتبجح بالعنتريات والانتصارات على جثث الأطفال المقتولين خنقا.
من هنا كان على إدارة الرئيس ترامب أن تعيد حساباتها بشأن التعامل مع الملف السوري، لتعرف حقا أن المعالجة لا يمكن أن تكون إلا بمواجهة المرض مواجهة جدية، وعلى الرغم من تصريح وزير الخارجية الأمريكي (تيلرسمون) من تركية بأن مستقبل بشار الأسد يعود إلى الشعب السوري، إلا أن الضربة الكيميائية جعلت الولايات المتحدة تحسب حسابات أخرى، فإن أية سياسة لا توجه عقابا ملموسا للأسد وتغض الطرف عن استخدام السلاح المحرم وتترك النظام يسرح ويمرح كما يشاء، هي سياسة ستفتح بابا جديدا يسمح بنامي أنصار الجماعات المصنفة ضمن خانة (المتشددة) المتمثلة بتنظيم القاعدة في بلاد الشام.
وقد أكد الرئيس الأمريكي ومعه مجلس الأمن القومي الالتزام بوقف انتشار الأسلحة المحرمة دوليا وأسلحة الدمار الشامل بما فيها الكيميائية، ووصف البيت الأبيض الهجوم الكيميائي في (خان شيخون) بأنه بغيض وغير قانوني. ولذلك نفذت القوات الأمريكية هجوما بصواريخ كروز (توماهوك) بتوجيه من الرئيس الأمريكي كما جاء على لسان المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكيو (جيف ديفيس)، وبين أن 59 صاروخا استهدف طائرات وملاجئ الطائرات ومستودعات الوقود والدعم اللوجستي ومستودعات الذخائر ونظم الدفاع الجوي وأجهزة الرادار.
وأفاد مراسل الجزيرة أن الضربة التي انطلقت من مدمرتين أمريكيتين في شرق المتوسط قد دمرت 14 طائرة مقاتلة من نوع سوخوي في مطار (الشعيرات) كما دمرت مدرجات المطار وبات عمليا خارج الخدمة.
وهذه بادرة جديدة في انخراط الولايات المتحدة في العمل العسكري المباشر ضد نظام الأسد في سورية، لأن سكوتها سيوجه رسالة جد سلبية تقضي بأن استخدام السلاج الكيميائي مقبول، ويمكن لرئيس كالأسد أن ينتهك اتفاق 2013م الذي جرى في عهد الرئيس أوباما، وقد جاءت هذه الضربة أيضا لتجس نبض الموقف الروسي ومعرفة رأيه بالخروقات التي لم يعد يستطيع (القبان) حملها، ولتوجه رسالة مفادها أن على روسية إعادة حساباتها بشأن عمليتها في سورية وتمسكها بالأسد والسماح لإيران بالتغلغل في سوريا عن طريق ميليشياتها المقاتلة وإجراءات التغيير الديموغرافي.
ومن ناحية أخرى فإن الضربة اختبار حقيقي لجدية روسية في التعاون مع أمريكا، وإذا ما قامت روسية بنفي مسؤولية الأسد وإعادة اجترار ما تقدمه كوميديا الأخبار السورية لقطيعها، وإدانة العملية الأمريكية، فإنها ستعني بذلك أنها ماضية في حماية نظام الأسد وستبقى متجاهلة سلطة الإيرانيين المتزايدة في سورية وأما إذا تواصلت إلى إدانة لعملية النظام وعملت على اتفاق جديد يفضي بتسليم الأسلحة الكيميائية فإن للولايات المتحدة كلمة أخرى وخطوة ثانية على الأرض.
وعلى الرغم من أن الكرملين قد صنف الضربة الأمريكية عملا إرهابيا يتناقض مع القانون الدولي إلا أن الوقت ما يزال مبكرا للجزم بالموقف الروسي الذي قد يتغير بين ليلة وضحاها، ومهما يكن فإن إدارة ترامب أثبت جديته في التعامل مع الملف السوري، وسيكثر أحبابه في المرحلة القادمة.