فاطمة حاج موسى |
الفيلم الوثائقي “وداعا حلب” عرض في عام 2017 ليحصل بعد العرض على مجموعة جوائز دولية:
– جائزة “lmpact sony” البريطانية بمهرجان “Rory peck 2017” عن فئة الأحداث الراهنة بالأفلام الوثائقية، ووصفه أعضاء لجنة التحكيم بأنه عمل حيوي ومثير يشبه قصة حب مميز
– جائزة “Greer soon” بمهرجان لندن السينمائي 2017 عن فئة إخراج الأفلام الوثائقية
– جائزة الصحافة باللجنة الدولية للصليب الأحمر ضمن مهرجان “مونت كارلو” للتلفزيون عام 2018
– حصل على جائزة مهرجان “إيمي” الدولي لأفضل فيلم وثائقي عام 2018 والتي تعد أهم الجوائز التي تمنح للأفلام الوثائقية.
مدة الفيلم “52” دقيقة وهي عبارة عن توثيق أربعة شبان صحفيين لحياتهم وحياة المدنيين المحاصرين شرق مدينة حلب، ليكون كل منهم شاهداً على واحدة من أبشع الجرائم في هذا القرن والتي ارتكبها النظام السوري بحق المدنيين، حاولوا من خلاله إيصال صوت الناس من المدينة المحاصرة، الفيلم تصوير: أحمد حشيشو، باسم أيوبي، مجاهد أبو الجود، سراج الدين العمر، ومونتاج: “KaiLawrence”، ورئيس تحرير الوثائقيات: “Marc Perkins”، من إنتاج وإخراج: “Christina Garabedian”.
بدأت فكرة تصوير الفيلم مع قناة “BBC” بعد الانتهاء من تصوير فيلم “حياة حلب تحت الحصار” الذي وثّق حصار حلب الأول قبل فتح طريق الراموسة، يحكي الفيلم قصة مجموعة أشخاص بمناطق حلب المحاصرة وطبيعة حياتهم ومعاناتهم، وبعد إنهاء تصوير الفيلم ومع بدء الحصار الثاني ولدت فكرة تصوير فيلم جديد ومع نفس القناة والمخرجة لكن بطريقة مختلفة، تضمنت لحظات حياة المصورين اليومية بظروف الحصار لتوثيق الأحداث حولهم دون سيناريو أو علم بالنهاية القادمة، بدأ التصوير من شهر نوفمبر 2016 م حتى آخر يوم تهجير في 21 ديسمبر من ذات العام لينتهي بخروجهم من حلب.
ألتقينا مصوري الفيلم ليحدثونا عن تجربتهم: وكانت البداية مع الأستاذ “أحمد حشيشو” الذي قال:
“أثناء تواجدنا تحت الحصار وتصوير الفيلم كان خوفي الأكبر على زوجتي الحامل وأخوتي خصوصا بعد تعرض منزلنا للقصف، أحاول العودة بسرعة لأطمئن عليهم، كان تأمين وسيلة نقل وكهرباء من ضمن الصعوبات التي واجهناها بالحصار، أما أثناء خروجنا تم أسري وعائلتي ومصادرة معداتي من قوات النظام وفقدت جزء من التوثيق رغم خروجنا بالباصات مع الهلال والصليب الاحمر، وأضاف: كان لدينا رسالة نود إيصالها حتى يصل صوت الناس المحاصرين بالداخل للعالم الذي يعلم ما يحدث لكن لم يحرك ساكنا، وعن مشاريعه القادمة قال: أود متابعة العمل وتطوير مهاراتي خصوصا بمجال الإعلام وإكمال دراستي في طريق الاحترافية لأضع بصمتي الخاصة وإيصال صوت الناس خصوصا السوريين وطموحي الأكبر تصوير فيلم “مرحبا حلب”.
أما “باسم أيوبي” قال: “كل شيء في حلب لا يمكن نسيانه، كان قرار إعلان تهجيرنا أصعب ماعشناه، أحرقنا ذكرياتنا بحلب الأوراق الثبوتية وكل ما يخصنا، جهزنا توابيتنا معنا للخروج من وطننا، كان القصف والمجازر تحدي صعب خصوصاً أن مهمتنا اللحاق بالطائرة لمكان القصف الذي تهرب الناس منه، وتتهجر بسببه ونحن نقترب ونجري عكس التيار لنوثق دون خوف، فوق ذلك كان كل شيء مجهول حتى صدر قرار التهجير، كنت أخشى الإصابة فقط وأشعر بروحانية وأنا أعمل أن الله اختارني لهذه المهمة رغم عملنا الجماعي كفريق.
تم تكريم الأستاذ باسم بكرنفال في مدينة غازي عينتاب التركية على مشاركته بتصوير الفيلم، وقال عن التكريم: رغم الفرحة كان هناك غصة تهجيرنا وتفرقنا، لم يبقى سوى الفيلم. جرح كبير لن يلتئم حتى نعود، وختم حديثه قائلا: لمن يواجه تحدي أقول صف شعورك بكامل حريتك وعفويتك، ودع غايتك إيصال الرسالة، وخصوصا بالتصوير لأنه سلاح ذو حدين يقتل صاحبه إذا أساء الاستخدام.
التقينا أيضا “مجاهد أبو الجود” الذي هاجر إلى فرنسا وحدثنا عن تجربته بالفيلم:
“الحدث الإنساني هو الطاغي على معظم الأحداث وتغيير الوضع يكون سبب رئيسي لإنتاج أي فيلم بسوريا، وجميعها ترصد وتسلط الضوء على شريحة محددة، والذين خلف الكواليس منسيون لذلك كانت الفكرة بعرضهم، وأضاف: معظمنا كان هاوٍ فرضته أحداث الثورة لنقل الوقائع لوسائل الإعلام التي تنقل جزء مهم من الحقيقة للعالم، وهناك من وجد نفسه ببيئة خصبة للصحافة طوّر من مهاراته وأدواته وقدم نماذج إعلامية تضاهي أعمال صحفيين تخرجوا من جامعات عالمية، وبالعودة للفيلم قال: كنا نعتقد أننا لن نخرج أحياء من المدينة، وكان أملنا الوحيد تقديم وثيقة تروي ما عايشناه مع السكان، أمّا عن خروجنا فقد كان أشبه بمعجزة، وأشار إلى أن أهم ما يدفع الصحفي للمخاطرة بحياته هو إيمانه الكبير بقضيته وبأهمية الكلمة ومواجهتها للمدفع والبندقية أما باقي المصاعب فكلها عابرة.
الختام كان مع “سراج الدين العمر” مدير مؤسسة البراق الإعلامية الذي كان المنتج الميداني للأفلام التي صورها الفريق والذي كان بلغته الإنكليزية الجيدة يساعد على التواصل مع كادر BBC في بريطانيا قال: الصعوبات تمثلت بأننا نصور أنفسنا وحياتنا، في البداية كان الأمر صعباً جداً حتى تأقلمنا مع العمل، والحياة بجو الحصار هي الأصعب، وبالحديث عن فكرة تصوير فيلم جديد مع ذات الفريق أشار أن الكادر تفرّق بعد الخروج مما يصعب بدأ عمل جماعي مجدداً، رغم أننا عملنا سابقا مجموعة أفلام قصيرة ومشاريع متنوعة مع مؤسسة البراق الإخبارية، لكن كل شخص من الفريق عاد ليكمل دراسته بمجالات مختلفة للحصول على قوة علمية للاستمرار.
“حسن قطان” مدير مركز حلب الإعلامي وأحد أهم المصورين في حلب المحاصرة، والذي حصلت الأفلام التي شارك في تصويرها وإخراجها العديد من الجوائز منها الأوسكار. تحدث حول الفيلم قائلاً:
بالنسبة لي هناك مشاعر متناقضة أشعر بها حول فيلم وداعاً حلب لأنه يذكرني بأصعب لحظات حياتي، والتي هي تهجيري من مدينتي التي تربيت وعشت فيها، وتتكرر هذه المشاعر في كل مرة أرى فيها الفيلم، ومن ناحية أخرى أشعر بالسعادة عندما أشاهد الفيلم الذي يحكي قصة مدينتي وهو يزداد شهرةً ويتوج بمنصات ومهرجانات دولية وجوائز عالمية.
عُرض فيلم وداعا حلب على كافة قنوات BBC وسيعرض على شاشة القناة ذاتها بالعربية يومي 22 و23 من كانون الأول الجاري بالإضافة إلى أنه متاح على اليوتيوب باللغة العربية، وقد ترجم لعدة لغات: (الإنكليزية والفارسية والفرنسية وغيرها)، وحسب إحصائيات ل BBC فإن نحو 250 مليون شخص قد شاهدوا الفيلم خلال عرضه على قنواتها.
الفيلم عرض جزء من معاناة السوريين بعين الواقع، ونقل تجربة حقيقية تعرّض أصحابها ومن معهم للموت أكثر من مرة، لم يكن تصويراً في ظروف مثالية أو انتاجاً سينمائياً، وربما هذا ما يجعله مهماً، لقد كان توثيقياً واقعياً للحظات مؤلمة جداً، وشاهداً على تهجير جزء كبير من الناس من أرضهم.