مرح جاويش |
خلال ست سنوات فائتة، وأثناء ما جرى من قتل وتدمير ومجازر وغيرها، كانت المجزرة الكبرى من قبل بيت الأسد هي “التغيير الديموغرافي في سورية”، لكنها لم تكن وليدة الثورة، فقد عمد “حافظ الأسد” إلى التغيير الديموغرافي منذ وصوله إلى رأس السلطة في سورية في العام 1970 وفق خطط منظمة بشكل كامل.
ويلاحظ أنَّ التغيير الديموغرافي الذي تسعى إليه إيران في سورية يتركز في مناطق غرب سورية، بحيث تخلق منطقة نفوذ تضم المؤيدين للنظام وأصحاب الولاءات لإيران من العلويين والشيعة، بما يساعدها على توسيع رقعة النفوذ إلى الأراضي اللبنانية حيث يوجد أنصار ميليشيا حزب الله في البقاع وبعلبك على الحدود السورية اللبنانية.
جريمة ضد الإنسانية
يقول (أحمد محمد) وهو إعلامي لصحيفة حبر: ” بعد تحول الصراع في سورية إلى صراع عسكري، وجَلب النظام السوري لعدد كبير من الميلشيات الطائفية والإيرانية لقتال السوريين، وخاصة حزب الله اللبناني وسيطرتهم على مدينة القصير في ريف حمص في عام 2013، بدأ النظام السوري يدفع الصراع في سورية نحو صراع طائفي، من أجل بقائه قدر الإمكان، وأيضاً تجنيد أكبر عدد من أبناء طائفته بحجة أنه الرجل الوحيد القادر على حمايتهم من باقي الطوائف السورية، وبالفعل استطاع النظام جرَّ الطائفية العلوية الى صراع مذهبي :”سني علوي “.
ويتابع محمد: “لم يكتفِ النظام السوري بقتل المدنيين وتدمير المدن التي سيطر عليها خلال السنوات السابقة، بل قام أيضا بارتكاب جريمة أخرى، وهي جريمة التغيير الديموغرافي، حيث صنفها القانون الدولي لحقوق الانسان بأنها جريمة ضد الإنسانية، النظام السوري وبتحريك إيراني مخفي بعد تأمين مدينة القصير وتحويلها إلى معسكر لحزب الله بدأ حربا أخرى بتهجير سكان أحياء حمص القديمة، ومن ثم انتقل إلى جبال القلمون ومنطقة مضايا والزبداني من أجل تأمين خط نقل للمعدات العسكرية، ونقل العناصر والعتاد من دمشق إلى داخل الأراضي اللبنانية.”
ويوضح الإعلامي أحمد محمد: “ومن بعدها استمر النظام السوري بجريمته لكن بطريقة أخرى على أنها مصالحة وتسليم مقاتلي المعارضة أنفسهم أو استسلامهم كما حصل في حي الوعر وداريا وبرزة والقابون وحي تشرين ومحافظة حلب التي كانت تعتبر من أكبر المحافظات أو المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة، حيث قامت قوات النظام مدعومة بالميلشيات والطيران الروسي بتدمير الأحياء التي كانت تسيطر عليها المعارضة بنسبة 97% وهي الأحياء الشرقية من حلب، والتي كانت تنطلق منها صناعات حلب المشهورة وخاصة وجود منطقة الشيخ نجار ومعاملها التي أيضاً أُبيدت ولم تَسلم من قصف البراميل المتفجرة.
رعاية دولية للتهجير
بدوره يقول (يمان الخطيب) لصحيفة حبر وهو إعلامي: ” التغيير الديمغرافي يعد جريمة حرب يعاقب فاعلها ولو كانت على نطاق ضيق، فما بالك بالتهجير الذي حصل بمناطق سورية عدة برعاية دول عظمى مثل روسيا وإيران، لكن لا أعتقد أن الأسد المسؤول الأول عن التهجير أو بالأحرى هو مسلوب القرار، التغيير الديمغرافي الممنهج في سورية تقف خلفه إيران لأسباب طائفية، كالذي حصل في داريا وحلب والزبداني، وإيران لمحت على لسان الأسد بأن سورية لمن يدافع عنها، وكلنا يعرف أنه لولا الميليشيات المدعومة إيرانيا لكان الأسد مصيره مصير القذافي، كما استوطنت عائلات الميليشيات الطائفية الشيعية في جل المناطق التي هُجر أهلها، في رسالة إيرانية واضحة بأن من يعارض الأسد ومشروعها لا مكان له في سورية.”
ويشير الخطيب: ” عندما سيطر الثوار على نحو 60 بالمئة من أحياء المدينة منتصف عام 2012 استبسل النظام ليحول دون خروجه من كامل المدينة، فهو يعرف أن حلب بيضة القبان في الحرب السورية، وسيطرة الثوار على كامل أحيائها يعني السيطرة على كامل الشمال السوري، مضيفاً إلى أن روسيا وإيران وميليشيا حزب الله شنوا هجوما واسعا لاستعادة حلب عدة مرات، مستخدمين القوة المفرطة وسياسة الأرض المحروقة رغم أن حلب باتت مجرد أطلال لكن بنظر الأسد وحلفائه تبقى مهمة، والسيطرة عليها بأي حال مكسب سياسي قبل أي يكون عسكري.
قيود من جميع الأطراف
من جهته يقول الصحفي السوري (أحمد بريمو) لصحيفة حبر: ” بخصوص موضوع التغيير الديموغرافي الذي ينتهجه نظام الأسد منذ أن بدء بتهجير أهالي أحياء حمص القديمة حتى الآن، فتلك السياسة من أبشع المجازر بحق الإنسانية وبحق الإنسان، وهذا أكثر إجراماً من أي شيء آخر فعله الأسد، فهو اقتلاع الأهالي والمدنيين من أراضيهم وبيوتهم وذكرياتهم، وحالياً نظام الأسد يسعى لبسط سيطرته الكاملة أو من خلال مصالحات أو هدن على أهم المواقع الجغرافية في سورية منها الساحل السوري، ودمشق، والعاصمة التجارية والاقتصادية حلب، ومناطق نفوذ العلويين في سورية، وحصر كافة فصائل المعارضة أو حتى المعارضين في مدينة إدلب.”
ويضيف بريمو: “الجميع يلاحظ أن نظام الأسد حتى الآن لا يستطيع السيطرة على مدينة إدلب أو فتح أي معركة لتحريرها، لكن حالياً هو يسعى لحصارهم حصارا خانقا على غرار الحصار الذي فرضه على مناطق عديدة سواء حلب أو غوطة دمشق، ولا أدري بعد فترة لاحقة ماذا سيكون موقف الحكومة التركية التي هي صاحبة المنفذ والرئة الوحيدة للشمال السوري، ونحن نلاحظ أن الأتراك يوماً بعد يوم يقوموا بفرض قيود أكثر على مناطق الشمال على الصادرات والواردات من وإلى إدلب أو حلب، وتلك الأمور تمكننا من أن نعتبر أنَّ الشمال السوري شبه محاصر من كافة الأطراف، ونحن نتكلم عن أعداد هائلة من المدنيين، ونستطيع أن نقول: إن الأشخاص المعارضين سواءً مدنيين أو ثوار بشكل كامل أصبحوا في مدينة إدلب ينتظرون مصيرا مجهولا، وهذا الأمر لا يمكن لأحد التكهم به حالياً، ويومياً نسمع ونقرأ تصريحات وتوقعات وتحليلات، لكن إلى الآن لا يوجد أي شيء على أرض الواقع.”
خريطة دولية طائفية قيد الإنشاء حالياً!
فيما يصرّح (محمود بيطار) وهو مدافع عن حقوق الإنسان لصحيفة حبر: ” التغيير الديموغرافي في سورية هو أسلوب لجأ إليه النظام في محاولته القضاء على المعارضة المسلحة بتفريغ حاضنتها الشعبية، وبمتابعة خريطة سلسلة المجازر التي ارتكبها النظام في بداية الثورة تتوضح لنا خريطة دولة طائفية قيد الإنشاء، فيما حدثت المجازر الأولى مبكرا في المناطق الساحلية (بانياس جبلة) ومجزرة عين البيضا، إضافة للتضييق والتنكيل على الأحياء السنية في اللاذقية، واعتقالات عشوائية بأرقام كبيرة وتغييبها في مراكز احتجاز الفروع الأمنية.”
ويوضح بيطار: “التركيز كان بعد مناطق الساحل والجبل على مناطق متأخرة وهي مدينة حمص حتى حدود غرب نهر العاصي، مجزرة الحولة مثالاً هنا، ارتكاب هذه المجازر دفع المدنيين إلى الهرب بحياتهم إلى مناطق أخرى خارجة عن سيطرة النظام لأنهم يهربون منه في الأصل، ولم يعد يستطيع النظام المضي بسياسة ارتكاب المجازر لتهجير المدنيين، فاتبع أسلوبا آخر وهو الحصار الجائر والقصف، وهنا بدأ التدخل الإيراني بوضوح.
تم حصار مناطق عديدة في حمص وريفها، ودمشق وريفها، وتم التضييق عليهم حتى الاختناق والقبول باتفاقيات ترحيل، وكان معظمها إلى مدينة إدلب، وآخر عمليات الحصار والتهجير تمت بمساعدة من سلاح الجو الروسي في حلب في أواخر 2016 حيث تم قتل المدنيين بقسوة وباستعمال أضخم القذائف ذات الانفجار الشديد التي تستخدم في الهجوم على التحصينات تحت الأرض، وكان عدد الضحايا كبيرا، وبدأت تظهر إلى العيان وبشكل واضح عمليات تهجير مناطق محيطة بالعاصمة القابون مثالا، ويتم تحديد وجهة واحدة فقط وإجبارية هي مدينة إدلب، كأنها عملية تجميع وتحضير لمجزرة كبيرة هناك، وهي عمليات رسم حدود سورية المفيدة كما يسمونها.”
مقدمة لإجراء تغيير عرقي وديموغرافي
فيما يقول (مراد مارديني) عضو شبكة صوت العاصمة الإخبارية المعارضة لصحيفة حبر: “تعتبر مدينة دمشق أهم المدن السورية بالنسبة إلى النظام السوري، لأنها العاصمة ومركز الوزارات والدوائر الحكومية، والثقل السياسي والاقتصادي لسورية، ولا نستطيع الجزم أن النظام قام بعملية تغيير ديموغرافي في محيط العاصمة دمشق، نستطيع القول: إنه بدأ فعلاً بعملية تجهيز لتغيير ديموغرافي قد يحصل، لأنه حتى اللحظة لم يجلب غرباء ليحلو مكان الناس المهجرين نحو شمال سورية فعلياً، واقتصر الأمر على ترحيل المعارضين فقط في بعض المناطق.
وبرأيي مارديني: “فإنَّ النظام السوري عمد في العام الأخير، وابتداء من داريا إلى ترحيل المعارضين في المناطق الخارجة عن سيطرته إلى مدينة إدلب شمال سورية، بعد عمليات عسكرية واسعة استهدفت مناطقهم، بعضها تم إخلاؤها بالكامل وتهجير أهلها (داريا، الزبداني، المليحة، القابون وحي تشرين) والبعض الآخر ما يزال يوجد فيها قسم كبير من سكانها وأهلها (التل، مضايا، الهامة، قدسيا، برزة) وكما ذكرنا سابقاً، لا نستطيع القول: إن التل ومضايا والهامة وقدسيا شهدت تغيراً ديموغرافياً، ولا حتى داريا التي خلت من أهلها وسكانها، فحتى اللحظة لم يأتِ النظام بأي غريب ليحل مكان السكان الأصليين، ربما قد تستمر العملية سنوات قبل أن تدخل في نطاق التغيير الديموغرافي فعلياً، وبالتالي فهذا مشروع قديم جداً يهدف إلى هدم المناطق العشوائية في بساتين الرازي خلف السفارة الإيرانية وبناء مشاريع سكانية، المعلومات تقول: إن الشركات الممولة لذلك المشروع إيرانية وتسعى لتحويل المنطقة بالكامل إلى مكان نفوذ لها وحتى اللحظة ما تزال عمليات الهدم جارية، ولا يوجد أي عملية لإعادة الإعمار أو جلب غرباء إلى المنطقة .”
ويسرد مارديني في حديثه لصحيفة حبر: ” ليس بالتهجير وحده يحارب النظام معارضيه وأبناء المناطق المنكوبة، الموافقات الأمنية للمنازل في عمق العاصمة دمشق هي واحدة من الأساليب التي اخترعها النظام للتضييق على الناس النازحين إلى دمشق خاصة من أبناء المنطقة الشرقية الخاضعة لسيطرة تنظيم داعش، وأبناء الغوطة الشرقية، فلا عمليات بيع أو استئجار لمنزل أو عقار بدون موافقة أمنية من الفرع الأمني المسؤول عن المنطقة حصراً، وهنا نتحدث عن فيش أمني كامل للعائلة كلها، فإن كان الشخص لديه أي صلة بأي شخص مطلوب بقضية إرهاب أو لديه أبناء أو أبناء عمومة في المناطق المحاصرة، فلن يحصل على موافقة للسكن أبداً، ويتوجب عليه التطرف عن مدينة دمشق والذهاب إلى الأرياف القريبة كمدينة جرمانا، وصحنايا وأشرفية صحنايا، والكسوة والتل وغيرها التي تعتبر أقل تشديداً من مدينة دمشق، هذه الإجراءات بحد ذاتها مقدمة لإجراء تغيير عرقي وديموغرافي.”
ويؤكد مارديني: “بالرغم من عشرات المقالات والتحليلات الصحفية وغيرها خلال السنوات الماضية حول التغيير الديموغرافي في دمشق القديمة ومدينة دمشق عموماً، وجلب شيعة إيرانيين وعراقيين ولبنانيين، واستملاك منازل، والقيام بحرائق مفتعلة، كل هذا ما يزال حتى اليوم مجرد تكهنات، فلا عمليات تغير فعلية حتى الآن واضحة مؤثر بشكل واضح على التوزيع السكاني في العاصمة دمشق، باستثناء السيدة زينب، وبالرغم من وجود آلاف العراقيين واللبنانيين والإيرانيين فيها، إلا أنها ما تزال تحوي نسبة كبيرة من السوريين حتى اللحظة بالرغم من أنهم من طائفة واحدة (شيعة) مع وجود قليل للسنة داخل السيدة زينب، وهم من الموالين للنظام وعناصره حصراً.
ويختتم مارديني حديثه: ” التدخل الروسي في سورية خلال سنة ونصف ماضية، غيَّر من معادلة اللعبة كثيراً، وبات الدور الإيراني صغيرا نسبياً إلى حد ما، مع تحجيم الروس لإيران في كثير من المناطق منها دمشق، والحد من انتشارهم وأن يكونوا موضع قرار بالنسبة إلى أي عملية تهجير جديدة يمكن أن تحصل، والمثال الأول الغوطة الشرقية في محيط المدينة، التي سعى الروس لعقد هدنة فيها لتجنب عمل عسكري ضخم يؤدي إلى تهجير أهلها، وفي سياق متصل، فقد ساهم الروس بعودة أهالي بلدة السبينة جنوب العاصمة دمشق القريبة من السيدة زينب، ويسعى الروس لإعادة أهالي الذيابية، حجيرة، البويضة بوقت قريب بعد سنوات على اتخاذ إيران قراراً يمنع أي مواطن من العودة إلى تلك المناطق التي خرجوا منها بعد معارك بين المعارضة والنظام، وانتهت بسيطرة النظام عليها.”