في تقرير تناول فيه الأوضاع المأساوية التي تعاني منها الغابات السورية نقل موقع روسيا اليوم عن رئيس مجلس مدينة مصياف السابق قاهر أبو الجدايل، قوله: “المؤلم أن نصف تلك الثروة الحراجية لا يذهب للتدفئة، بل للأركيلة!”. في إشارة إلى أن الجانب التجاري كان الأبرز، وليست فقط الحاجة إلى التدفئة التي فرضتها ظروف ارتفاع الأسعار، والأزمة الحادة في المشتقات النفطية.
ويتراوح سعر طن الخشب بين 25 ألف ليرة، ويصل إلى 50 ألفاً لخشب السنديان (من 50 إلى 100 دولار)، وهو بالتالي أرخص من الاعتماد على المازوت، إن توفر، للتدفئة، كما أنه يشكل مورداً مهماً لتجار الخشب، خاصة أولئك القادرين على تقطيع غابة كاملة، بقوة السلاح، ودون أي رادع أو خوف.
حرائق .. تقطيع
وبحسب التقرير الذي نشره الموقع أمس الأحد، فإن معظم التصريحات تتحدث عن أن الحرائق هي أبرز الاعتداءات التي تتعرض لها الغابات، إلا أن ذلك السبب لا ينفصل، كما يرى البعض، في أحيان كثيرة عن التقطيع بهدف التجارة.
إحصاءات وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي في حكومة النظام، تشير إلى أن عدد الحرائق منذ عام 2011 وحتى العام الماضي تجاوز 3400 حريق، كان أكثرها عام 2016 إذ بلغت الحرائق 570 حريقاً، والمساحات التي تم إخماد الحرائق فيها تجاوزت 220 ألف دونم.
وحول التعديات على المناطق الحراجية، يقول رئيس شعبة حراج مصياف مرهف بيطار، إن الثروة الحراجية تعرضت لتعديات “قاسية”، لكنه بالمقابل لا يرى أن الوضع سيئ إلى تلك الدرجة، ويضف: “غاباتنا كبيرة، إضافة إلى أننا نقوم بتشجير قسم كبير من المواقع، وفي السنة الماضي شجّرنا نحو 150 هكتاراً (1500 دونم)، وبقي جزء صغير من غابة البستان”.
ويرى بيطار، أن أغلبية الحرائق تنتج عن الإهمال، أي أن أحداً ما يشعل النار ويترك بقايا، ويشير إلى أن الحرائق تراجعت، وفي العام الماضي كان هناك 24 حريقاً صغيراً.
“أصلاً لم يبق شيء ليحترق” يعلق أبو الجدايل على فكرة تراجع عدد الحرائق.
المحميات .. لم تجد من يحميها
يقول أحد المهندسين الزراعيين في المنطقة، إن الغابات بدت وكأنها تُباع، غابة غابة، وجبلاً جبلاً، ومنها ما يضم أشجاراً حراجية نادرة كالصنوبر الثمري، تعرضت لاعتداءات “مدبرة”، وحرائق “مفتعلة” بهدف التجارة بالخشب.
وتابع: “حتى المحميات لم تجد من يحميها”، ويؤكد مثلاً: “محمية شجر العرعر في مصياف، لا مثيل لها في الشرق الأوسط .. قطعوها وعمروا فيها، وكذلك فعلوا في محمية باسل الأسد، أشادوا بيوتاً وسط المحمية، هناك كنت لا تستطيع أن ترى الشمس لكثافة الأشجار، وأشجار عمرها عقود .. قضوا عليها”.
محمية باسل الأسد، غرب مصياف، بقيت أسبوعاً وهي تحترق، كما يقول عدد من الأهالي، وهناك من تجار الخشب من كان يمنع الناس حتى من الاستفادة من الخشب المحروق، كما يقولون.
يقول رئيس قسم التنوع الحيوي والمحميات في مديرية الحراج لدى وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي عمر زريق، إن “التفحيم غير النظامي يؤدي أحياناً إلى الحرائق، إذ قد تحترق عشرات الدونمات نتيجة الحرائق الناجمة عن هذا النوع من التفحيم”.
وفي هذا الإطار، عرض تقرير “روسيا اليوم” إحصاءات قدمها مدير الزراعة في اللاذقية، منذ خير بك، حول أبرز الأضرار على الغابات، وفيها يرد أن القطاع الحراجي في المحافظة تعرض لمجموعة كبيرة من الأضرار “نتيجة الظروف الأمنية السائدة”.
يُضاف إلى ذلك عمليات “كسر وعشف وقطع جائر” تعرضت لها أراض حراجية، “نتيجة لتدني الوضع المعيشي وقلة المحروقات ما اضطر الكثيرين للاعتماد على الغابة مصدراً بديلاً للتدفئة”. كما تؤكد المديرية.
وتبين المديرية، أنه من بين الأضرار غير المباشرة خروج نحو 35 ألف هكتار من الغابات عن سيطرة حكومة النظام لعدة سنوات، و”تأثر نحو 500 هكتار من الغابات في بعض المناطق التي يصعب الوصول إليها، والآثار البيئية التي لا يمكن تقديرها، والناتجة عن تراجع الغطاء الغابوي، وانتشار السموم، والمواد الكيماوية الناتجة عن العمليات العسكرية وانتشار الجثث، وهو ما قد يؤدي إلى انتشار الأوبئة بشكل كبير”.
عقوبة .. حتى الإعدام
يقول مدير الحراج في وزارة الزراعة حسان فارس، إن أكثر الاعتداءات خطورة هي تلك التي تحصل على المواقع الحراجية المخروطية، وتحديداً الصنوبريات، لأن هذا النوع “لا يخلف”، أي أن عملية التجدد تكون عن طريق البذور، وتتطلب رعاية خاصة وسنوات طويلة.
ويشير فارس، إلى أن قانون الحراج (صدر عام 2018)، يلحظ عقوبات عدة على المعتدين، وأخطر الاعتداءات هي الحرائق المفتعلة، وخاصة تلك التي ينجم عنها وفاة أحد العاملين في الحراج، أو الفرق التطوعية، وفي تلك الحالة يكون الإعدام هو عقوبة الفاعل، تخفض إلى الاعتقال المؤبد إن نجم عنها إصابة أو عاهة دائمة، بينما باقي الاعتداءات تتراوح عقوبتها السجن 6 شهور و5 سنوات، إضافة إلى الغرامة.