قال لقمان الحكيم: “إنَّ من الكلام ما هو أشد من الحجر وأنفذ من وخز الإبر وأمر من الصبر وأحر من الجمر، وإنَّ من القلوب مزارع فازرع فيها الكلمة الطيبة، فإن لم ينبت كلها نبت بعضها”
تنطلق الكلمات من أفواهنا وأقلامنا وجوالاتنا أحيانًا دونما اهتمام فتكون كالرصاص القاتل، وقلما ما نمسك أعصابنا وقت الغضب فنستهين بوقع الكلمات (المنطوقة أو المكتوبة) على الآخرين، فتصبح خطيرة كالسلاح تمامًا، علينا أن نتعامل معها بحذر وعناية كيلا نتسبب بضرر بالغ أو مرض نفسي أو نكسر بخاطر متلقيها، فلماذا لا نفكر بانتقائها حين نتحدث مع الآخرين أو نكتب لهم؟!
للبشر أصناف منهم من تتودد له وتحب كلماته، ومنهم من يتلفظ بكلمات مؤلمة تجرح أفئدتنا وتحفر أخاديدًا في أرواحنا فيبقى أثرها عميقًا في نفوسنا، وقد أكد علماء النفس أن الكلمات الجارحة تسبب جروحًا حقيقية في الدماغ وتتلف عمل بعض الخلايا وتميتها، لهذا يعاني الشخص المجروح من آلام نفسية وإحباط في حياته ربما تودي ببعضنا لسلوك إجرامي.
لا بد أن معظمنا واجه خلال مسيرة حياته أناسًا كثيري الشكوى والتململ من كل شيء يحطون بعباراتهم من أفعالنا ويحبطوننا، ربما يكونون من المقربين لنا كالأهل أو الأصدقاء أو في المدرسة أو العمل من هذه العبارات: “يا فاشل، يا غبي، لا أحبك، أنت أسوأ إنسان عرفته، لا فائدة منك، فلان أفضل منك،..” وعبارات كثيرة من المعيب ذكرها، عبارات آلمت وجرحت وأفشلت وقتلت المودة والألفة بين القلوب، فلنحاول تجنب أولئك الأشخاص أصحاب الطاقة السلبية قدر المستطاع كيلا تقلل من عزمنا ونحطم أحلامنا.
أما عن الذين يصنعون بكلماتهم من البغض حبًا، ومن المصاعب ميسرات، ومن الفشل نجاحًا، ومن الفقر غنىً، ومن الضعف قوة، أولئك أصحاب الطاقة الإيجابية، بضع كلمات منهم واست قلوبنا ودفعت بهممنا وأحلامنا نحو السماء.
من منا لم يسمع بقصة أديسون أشهر مخترع في تاريخ البشرية؟! حين طرد من المدرسة وأعطاها رسالة من الإدارة، فقاومت مشاعرها وهي تقرأ لابنها الرسالة: “ابنك عبقري والمدرسة صغيرة عليه وعلى قدراته، عليك أن تعلميه في المدرسة” لكن الحقيقة كانت بعد أن أصبح مخترعًا ووجد الرسالة في خزانة أمه كتب فيها: “ابنك غبي جدًا ومن صباح الغد لن ندخله المدرسة”.
لسنا بصدد ثبوت القصة إلا أنها تمثل رؤية تربوية تستدعي التأمل للمربين من آباء ومعلمين لأنهم بناة اللبنات الأساسية في الأطفال، فبات من المعروف أن كلمات التحفيز والتشجيع تدفع الأطفال للنجاح ولها أثر كبير في تكوين شخصياتهم، كما أن أسلوب التغيير والإقناع بالكلمات يكسب الأطفال ثقة كبيرة بأنفسهم تدفعهم لقبول وجهة نظرهم ويزيد من نجاحهم في كافة مناحي الحياة، فلا يسمحوا لأحد أن يقللوا من أحلامهم.
ما يريده الإنسان من الحياة هو النجاح والسعادة، لذلك عليه أن يتوخى الحذر في انتقاء كلماته بعناية قبل التلفظ بها كيلا تؤذي نفسًا أو تهدم إرادة ولأنها تحدد السلوك والأخلاق تبني هممًا مزينة بالأماني وتنمي المواهب.
إنَّ أثر الكلام يا سيدي يتسلل للنفوس دونما استئذان، فمنها ما يقتل ومنها ما يحيي، فانتبه وانأى بنفسك عن القتل، وقل خيرًا أو اصمت، لتكن ممَّن وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأنهم يؤمنون بالله واليوم الآخر.