بين ثمانينات حماة وإدلب اليوم،هل تتغير المعادلة أم أنَّ المذبحة الكبرى سوف تتكرر ؟!
بكل هذه المباشرة يجب أن نتطلَّع للأمور، فكم من التشابهات التي تجري بين الأمس واليوم دون أدنى استفادة أو استقراء منّا نحن جيل الثورة تجعل الهزيمة تلوح في الأفق مهما حققنا من انتصارات آنية.
خُطط النظام منذ بدأت الثورة في 2011 تسير برتابة الديكتاتوريات المعتادة، ولكن المصيبة هي فينا نحن، إذ إنَّنا نستجيب لهذه الرتابة بطريقة مفجعة بلا مقاومة، ولاتزال الأصوات العالية بما فيها صوت السلاح وحماس الشباب المندفع هي الحاكمة للمشهد السوري بجميع تقلباته وأحواله الماضية والمستقبليةحتى وقت قريب قادم على أقل تقدير.
في سرد سريع نستطيع أن نلحظ بعض اللقطات المتشابهة في المشهدين، فتحويل الثورة إلى الوجه المسلح الذي يتقنه النظام مقابل التضحيات، وضرب الجانب السياسي فيها، وتعالي صوت الفوضى، واختلاف أصدقاء الدَّرب، ثمَّإتاحة الفرصة للمسلحين ومن يصفهم النظام بالإرهاب للتجمع في إدلب، وعمله الدؤوب طويل المدى للسيطرة على الثورة خارج هذه المدينة مهما كانت قيمة الخسائر، وتحويل الحرب إلى إيديولوجية طائفية، كلُّ ذلك ينذر بالاستعداد الممنهج لنهاية مماثلة ستشهدها الثورة كمذبحة كبرى تجعل المُتعَبين في أماكن أخرى يستسلمون دون مقاومة لشكل المصالحة الذي يقرُّه النظام، إذا لم تكن الهزيمة كاملة ومدوية.
في عام 1970 بعد انقلاب ما يعرف بالحركة التصحيحية استطاع الإخوان المسلمون خلال ثماني سنوات قبل المواجهة أن يمارسوا دوراً ريادياً في تغيير القاعدة المجتمعية في سوريا، وفي إيصال الوعي لقسم كبير من الشعب المغيب في مدن مهمة، وقد قدموا خلال تلك الفترة تضحيات جسيمة لم تقنع الفئة الشابَّة والمتحمسة لسرعة التغيير بالمسار المتباطئ، مقابل حملة شرسة كان يشنها النظام ضدهم، كانوا يخسرون فيها الكثير من رفاق الدَّرب دون مقابل كما يظنون، وكان لشبح الاعتقالات والتعذيب والاغتيالات دور كبير في بدء عمليات الطليعة المقاتلة التي جرَّت البلاد يومها إلى المساحة المريحة التي يتقن النظام التعامل معها، دون أن تمتلك رؤية استراتيجية واضحة للصراع، وبدأت الخلافات تطفو على السطح بين تيارات الجماعة تزامناً مع خسرانهم للقاعدة الشعبية التي انقسمت بين تياراتهم والتي ارتدت عنهم خوفاً من البطش العسكري .
الوصف بالإرهاب كان حاضراً، وتعالي الشعارات الإسلامية يومها كان حاضراً أيضاً، والبعد الطائفي أصبح أكثر تبلوراً بعد عملية المدفعية التي نفذها إبراهيم اليوسف ورفاقه، وتعالت أصوات الفوضى والسلاح، ولم يعد سياسيو الإخوان مسيطرين على الجناح المسلح الذي بدأ تنظيراً جديداَ خاصاَ به، مقابل انقسامات سياسي الإخوان أيضا فيما بينهم.
غضَّ النظام الطرف عن حماة يومها،والتي كانت ملاذاً للفارين، ومدينة للتجمع العسكري للمقاتلين من التنظيم، وقضى على التنظيم في حلب وإدلب ودير الزور، ليستعدَّ الجميع للمعركة الحاسمة، التي لم تكن طويلة، وتمَّ حسمها بمذبحة كبرى قضى فيها حوالي ثلاثين ألف سوري في أقل الإحصائيات المعلنة في بضعة أيام، وتعامى العالم يومها عن المجزرة المروعة كما يفعل اليوم بحجة الإرهاب وتعالي الشعارات الإسلامية، وسيفعل لاحقاً في إدلب إذا استمر تجمعنا المجنون هناك دون استراتيجية أو رؤية واضحة للمعركة القادمة.
علينا أن ننقذ أنفسنا بالخروج من هذه الرتابة والقوالب المعدّة مسبقاً دون تفكير، ونكون أكثر نضجاً في الأيام القادمة، وإلا فإنَّ النهايات لن تكون إلا أكثر سوداوية، والتاريخ يعيد نفسه ببلاهة إذا التقى ببلهاء يشابهونه، ولنستعد جيداً لحزم حقائب الخيبة في انتظار ثورة جديدة يوماً ما لا تعيد نسخ التجربة.
المدير العام / أحمد وديع العبسي