للحصول على ربطة خبز مؤلفة من (7) أرغفة يجب أن تقف حوالي نصف ساعة، هذا إذا لم يكن أكثر، ضمن طابور طويل يضم العشرات من الناس، وذلك كي تتمكن من الحصول عليها من أحد الأفران القليلة التي مازالت تعمل ضمن مناطق حلب المحررة، أما إذا أردت شراء الخضروات فعليك أن تزيد السعر ضعفين هذا إن وجد البعض منها.
صورة تختزل وتختصر الوضع الذي يعيشه أهالي مدينة حلب المحررة من ظروف وأوضاع خانقة وخاصة في ظل انقطاع المنفس الوحيد لها وهو طريق الكاستيلو، حيث قامت قوات النظام مدعومة بمليشيات طائفية وبتغطية جوية مكثفة بقطع الطريق الوحيد لمدينة حلب المحررة والتي يقطنها حوالي 350 ألف نسمة بحسب الإحصائية التي أصدرها المجلس المحلي لمدينة حلب الحرة.
هذا ولم يكتفِ النظام بمحاصرة المدينة بل وقام بتكثيف الغارات الجوية والقصف المدفعي عليها؛ وذلك ليزيد الخناق والضغط على المدنيين المحاصرين فيها. فسياسية الحصار والتجويع ليست بجديدة على النظام التي قد انتهجها ضمن مناطق سابقة كالغوطة وداريا ومضايا وحي الوعر وغيرها الكثير من المدن السورية.
أبو مصطفى من أهالي حي الفردوس يروي قائلاً: “بات شراء الخبز لدينا هماً كبيراً ومشكلة يجب حلها، فالأفران لم تعد توزع الخبز بكميات تكفي الجميع وزيادة كالسابق، عدا الطابور العريض الذي ينتظرني للحصول على ربطة من 7 أرغفة فقط، علماً أنها لا تكفي حاجة عائلتي المؤلفة من ثمانية أشخاص، لهذا أضطر للاعتماد على بعض المواد الغذائية التي مازالت موجودة لدينا كالبرغل والأرز والمعكرونة.”
ويضيف أبو أحمد من أهالي حي الزبدية قائلاً: ” نظراً للازدحام الكبير الذي تشهده الأفران والخوف على حياة المدنيين من قصف الطائرات لهم، تقرر توزيع الخبز من خلال بطاقات توزع على الأسر من خلال المراكز الموزعة ضمن جميع الأحياء، إلا أن الأزمة لا زالت قائمة، حيث إن التوزيع ليس بشكل يومي، بل في كل يومين مرة، نعلم أنَّ التوزيع على هذا النحو يهدف لتغطية عدد أكبر من الناس، لكن في نفس الوقت من المفترض أن هناك أسر يجب مراعاة أعداد أفرادها، وهذه أهم مشكلة يعاني منها الكثير من الناس ضمن مسألة توزيع الخبز.”
إنَّ الحصار قد ألقى بظلاله على جميع نواحي الحياة في المدينة وخاصة المعيشية، فأسواق المدينة باتت أغلبها شبه خالية من الخضروات والفواكه، وإن وجدت الخضار فبأسعار خيالية، والعلة هذه المرة ليست الدولار بل الطريق المقطوع، فبعد أن كان سعر كيلو البندورة 150 ليرة أصبح الآن 500 ليرة، أما الكوسا والباذنجان 350 ليرة للكيلو الواحد، عدا عن سعر السكر الذي قفز إلى 500 ليرة ولدى بعض الاستغلالين 600 ليرة.
ضف إلى ذلك ارتفاع أسعار الألبان والأجبان والحليب وندرتها بالأصل، حيث أضحت غالبية المحال التي تحوي على مواد غذائية شبه خالية، أولاً لقطع الطريق وثانياً لإقبال الناس على شراء المواد الغذائية بشكل كبير خوفاً من طول أمد الحصار، وضف إلى كل ذلك ارتفاع أسعار المحروقات بكافة أنواعها.
هذا الحصار المحدق بأهالي المدينة المتخوفين منه والذي من المفترض أن يكونوا يداً واحدة في مواجهته، لم يمنع تجار الأزمة والاستغلالين من احتكار البضائع ورفع أسعارها، وكأن الذين يبيعونهم ليسوا إخوانهم وكلاهم في نفس المركب، إلا أن المجلس المحلي في مدينة حلب الحرة قد قام بتسيير دوريات تموينية تقوم بمراقبة الأسعار لكافة البضائع على رأسها المحروقات والمواد الغذائية، وإجبار المحتكرين على إخراج بضائعهم وبيعها بالسعر الطبيعي كما كان في السابق.
الوضع الذي تعيشه مدينة حلب الآن لا يتطلب إلا وحدة الصف والتفكير بشكل جدي ومنطقي لتدارك هذه الأزمة، وعدم استغلال كل شخص ما يملك على حساب الأخرين، ولتكن تجارب المدن المحاصرة خير مثال على الصبر والتحدي والصمود.
تقرير وتصوير: عمر عرب