تحقيق وتصوير: عمر الحياةحلب؛ المدينة التي نالت لقب “عاصمة الثّقافة الإسلاميّة” لما فيها من معالم وآثار تدلّ على عراقة حضارتها وجمالها، باتت الآن تحت وطأة القصف والدّمار في ظلّ شحّ شديد في النّواحي الخدميّة، وأهمّها موضوع النّظافة، ذلك الموضوع الذي يعاني نقصاً في الدّعم والإمكانيات، ويواجه العديد من المشكلات، لكن برغم ذلك فإنّ هناك أناساً قد حملوا على عاتقهم مسؤولية هذا الأمر، كي يحافظوا قدر الإمكان على نظافة مدينتهم.ومن الذين تركوا بصمة في عمل الخدمات، المجلس المحلّي لمدينة حلب، الذي يُعنى بتخديم المدينة، ويبدو أنّ ما يقوم به لا يلقى اهتماماً من الجهات المعنيّة بتأمين أجور العاملين، ومنهم عمّال النّظافة الذين خرجوا يطالبون برواتبهم، وقد استطلعت صحيفة حبر الأسبوعية آراء المواطنين، والمسؤولين عن الموضوع لمعرفة سبب المشكلة.عبد الله 45 سنة من حيّ الأنصاري الشّرقي: فيمايخصّ النّظافة أصبح العمل جزئياً، والعمال كلّ فترة يقولون إنّهم لم يقبضوا رواتبهم لذلك هم لا يقومون بتنظيف الحيّ. هذا الأمر أثّر على الحيّ وأدّى إلى تراكم القمامة خصوصاً بعد قدوم فصل الصّيف، وهذا سيؤثّر عكساً علينا من ناحية الأوبئة والأمراض، لذلك نطالب الجهات كافّة بمساعدة العمّال.أبو حمزة 52 سنة من حيّ الزبديّة: عمّال النّظافة سابقاً كان وضعهم جيداً أمّا الآن فقد توقّف دفع رواتبهم، ما أدّى إلى تأمين أجور من قبل أهالي الحيّ بمبلغ 25 و50 ليرة لهؤلاء العمّال، فالرّاتب الّذي يأتيهم غير كاف، وهم يعدونهم بمعونات، ووضعهم سيّئ جدّاً. لذلك أحياناً ترى الحيّ نظيفاً، وأحياناً مليئاً بالقمامة.أحد العمّال -من المجلس المحلّي- وقد خرج في مظاهرة من أجل المطالبة برواتب العمّال:سبب خروجنا في المظاهرة هو رفع سقف الرّاتب ودفع الرّواتب في المواعيد المحدّدة، وأن يصلنا الرّاتب في أوّل الشهر، ولأنّنا نعمل برواتب قليلة جدّاً لا ترتقي إلى مستوى الخدمات التي نقدّمها.عبد العزيز مغربي ” أبو سلمى ” رئيس المجلس المحلّي لمدينة حلب:الذين خرجوا في المظاهرة ليسوا فقط عمّال النّظافة، وإنّما جميع العاملين في المجلس المحلّي للمطالبة برواتبهم، ونحن متواصلون مع جهات رسميّة مثل (ASU) والحكومة المؤقّتة، ومع ذلك دائماً لدينا مشكلة في دفع الرّواتب التشغيليّة في المجلس.لا أحد يقدّم دعماً لهذا الموضوع وأغلب الدعم حالياً دعم عينيّ. طبعاً تفاقم الأمر وخرجت مظاهرة لعدد كبير من العمال، وقد تواصلنا مع الحكومة المؤقتة ووعدت أن تقدّم الدّعم وقد قيل لنا على لسان مستشار رئيس الحكومة: “أمّنوا المال أو استدينوا، ونحن سوف نعطيكم”. قمنا بتأمين المال لكن الحكومة استنكفت عن الدفع، ولم نعلم السّبب. هنا أصبح لدينا مشكلتان: دفع الرّواتب التي لم تُدفع، في الدّاخل السّوري، والمشكلة الثّانية أن يعدوا ثمّ يعلقوا إنجاز الوعد.نحن الآن مؤسّسة تعمل بتضحيات الناس، وعملنا شبه طوعي، وبالنّهاية الرّاتب لا يتعدّى(100) دولار، و هذا لا يعتبر راتباً. أتمنّى أن يُتدارك هذا الأمر من قبل الحكومة قبل أن يزداد الوضع سوءاً.وبيّن لنا السيد أحمد ديري؛ مسؤول الإدارة المحليّة في مجلس المدينة، مكتب دائرة الخدمات والنّظافة والأنقاض، خطّة ترحيل القمامة في حلب وقال انها تقسم إلى عدّة أقسام، ويتمّ ترحيلها عن طريق مجالس الأحياء والقطاعات إلى مكبّات فرعيّة مثل مكبّ زينو، ومكبّ جسر الحجّ، ثم تُرحَّل إلى المكبّ الرّئيسي في منطقة العويجة. وبسبب عدم وجود الآليات في المكبّات الفرعيّة، فإنّنا نضطرّ إلى الاستعانة بآليات نقل صغيرة، وهذا يؤدّي إلى تأخّر وصولها إلى منطقة المكبّ الرّئيسي. وهناك مشكلة أخرى هي أنّ المكبّ الرّئيسي مرصود من قبل النّظام بالصّواريخ الحراريّة، وقد خسرنا آليّات هناك إضافة إلى إصابة بعض العمال.حلب الآن في أزمة من ناحية نقل النّفايات إلى مكان مناسب، ولا يوجد حلّ بديل، ونحن نحاول أن نقدّم اقتراحات لإيجاد محرقة ضمن منطقة جسر الحجّ، لكن ليس لدينا دراسة كاملة لها، إضافة إلى أنّها مكلفة وملوّثة للبيئة أيضاً. كما نقوم بدراسة موضوع دفن النفايات لكن أيضاً له مضارّ بيئيّة مستقبلاً، فنحن الآن في أزمة حقيقيّة، نتيجة عدم إيجاد مكبٍّ للنفايات ضمن المدينة، والمكبّات الفرعيّة متوقّفة عن التّرحيل منذ أسبوعين بسبب رصد المكبّ الرّئيسي.أما آلية العمل المطبّقة فتكون بالتّنسيق مع مجالس الأحياء في المنطقة الغربيّة من جسر الحج حتّى صلاح الدين؛ حيث نكلّف المكاتب الخدميّة في مجالس الأحياء بإيجاد عدد من العمّال والآليات، لتقوم بترحيل القمامة إلى منطقة جسر الحج، وهذه تكاليف مأجورة، كلّ مجلس حي يأخذ أجراً يوصله كاملاً إلى العمال.كل مجلس حيّ يقدّم خطة عمل، ومن ثم يخرج من عندنا من يراقب العمّال في الحي نفسه، وعندما يتناسب عدد العمال مع الميزانيّة والإمكانات لدينا وينظّف الحي تأتي الموافقة، ويوجد تفاوت بين الأحياء حسب مساحة كل حي، وحسب حاجته إلى العمال.وقد استلمنا من مجلس المحافظة في الشّهر الثّاني 214 ألف دولاراً للإدارة المحليّة فقمنا بتغطية نفقات الشهرين الثاني والثالث. أما الشهر الرابع فلم تُغطَّ نفقاته حتى اللحظة بسبب عدم وجود جهة تتبنّى هذا الموضوع، فالحكومة تعتبر نفسها غير مسؤولة عن مجلس المدينة، ومجلس المحافظة أيضاً يعتبر نفسه غير مسؤول عن مجلس المدينة، وقد قال مجلس المحافظة عدّة مرّات: من قال لكم أن تعيّنوا هذا العدد من العمّال؟يا أخي: حلب ليست قرية، ويجب على مجلس المدينة ومجلس المحافظة أن يتحمّلا تبعات هذه الأمر.لماذا لم تتضافر جهودكم لدفع الرواتب مع جهود الجهات الأخرى مثل مجلس المحافظة؟مجلس المحافظة -كما أسلفنا- يعدّ نفسه غير معنيّ بالموضوع لا من قريب ولا من بعيد، إضافة إلى أنّ مجلس المحافظة وأعضاء أساسيّين فيه يعتبرون أنّ عدد (550) عاملاً عدد ضخم لمدينة حلب، مع العلم أنّ هذا العدد موزّع على قطاعات عديدة، وأن قطاع قاضي عسكر وحده يوجد فيه (250) عاملاً.النّظافة أمر هامٌّ جداً، وإذا لم نتدارك الأمر فإنه سيسبب كارثة على مستوى البيئة والبشر بشكل مباشر؛ حيث إنّ له مردودات عكسيّة من الناحية الصحية، لذلك فإنه يجب على المسؤولين وضع خطة دائمة وتأمين الميزانيّة والرواتب الدائمة لعمال المدينة كحدٍّ أدنى، والحدّ الموجود في حلب -الآن- هو الحدّ الأدنى. هذا يحدث مع أن مدينة حلب هي العاصمة الثانية لسوريا، ويجب أن يؤخذ هذا الأمر بعين الاعتبار، نحن نطالب الجميع ومعهم الحكومة المؤقتة بأن يضعوا هذا الأمر في رأس جدول أولوياتهم.لماذا لا يحصل تنسيق مع الجهات الأخرى؟التّنسيق موجود مع جميع الجهات، لكن لا أحد يولي هذا الأمر أيّ اهتمام، والموظّف وغير الموظف في الداخل السوري بشكل عام هو من قابضي الدعم عند الجميع، وهذا الإنسان لا يحتاج المال برأيهم لأنه بالأصل يموت ولا يوجد لديهم مشكلة.لا يوجد جهاز من العاملين في الداخل يتقاضى رواتب منتظمة وهذا يشمل الموظّفين الخدميّين والعسكريين، هذه الجهات تقبض الدّعم عن هؤلاء الذين يضحون في الداخل ولا تقبض الدعم كي تفتح مكاتب ومؤسّسات في الخارج. هذه آخر كلمة نقولها لمن يتقاضى الدّعم ويحجم عن تمويل الداخل.السيد حازم لطفي المدير العام لشؤون المجالس المحليّة في الحكومة المؤقتة: بعد طرح الشّكوى عليه يردّ باختصار:السبب أن وزارة الماليّة أرسلت معتمد الرواتب للدفع، وإذا بالمجلس قد دفع الرواتب منذ أسبوعين!!!في الختام لنا كلمة: بعد القيل والقال ووضع الحكومة المؤقتة في خانة المتهم في موضوع رواتب عمال النظافة، وبعد خروج مظاهرة من قبل عمال المجلس المحلي ومطالبتهم بالرواتب، وجدت الحكومة نفسها محرجة أمام الجميع فقامت بدفع رواتب العمال وتكفّلت بثلاثة أشهر.