بقلم : ناصر الدين السالم كانت الحروب فيما مضى تجري بين الطرفين المتصارعين في ساحة محددة للقتال، أما الآن فأغلب الصراعات العصرية تجري أو تأخذ مكاناً ضمن البلاد ذاتها حيث أن المدنيين يغادرون بعيداً ويتركون منازلهم بسبب القتال والصراعات مشكلين حوالي 90% من الخسائر.ويعتبر الأطفال في العديد من مناطق الصراع أكثر المتضررين من الخسائر الناجمة عن الحروب التي تتضمن خسائر على النحو الاجتماعي و النفسي و التعليمي و الصحي، حيث أن معظمهم لا يلقون حتفهم جراء الأسلحة والدمار المنظم, إنما يموتون أيضاً من الأمراض التي لا تعالج ، و ذلك لأن الأنظمة الصحية والبنية التحتية الأساسية تكون قد أصبحت في قعر الهاوية.وبحسب تقديرات اليونيسيف فإن عدد الأطفال المتضررين جراء المعارك في سورية وصل إلى 5.5 مليون طفل.أمَا الشبكة السورية لحقوق الإنسان فقالت: إنّ عددَ الأطفال النازحين من الحرب في سورية وصل إلى 2.1 مليون طفل نازح.وفي هذا الصدد سنسرد بعضًا من الآثار التي تتركها الحرب في الأطفال لندرك خطورتها ولاسيما على الأطفال الذين هم أساس فتوة الأمم وبنائها، فعندما تتمخض الحرب يتولد منها الآثار الآتية :الآثار الفيزيولوجية:إنّ ما يتصدر العناوين والأخبار هو عن الأطفال الذين يفقدون حياتهم أو يصابون بإصابات خطيرة جراء القنابل والأسلحة الأخرى المستخدمة في الحرب ، لكن في المقابل هناك أيضاً من يتم تجنيدهم ووضعهم على خط النار والقضاء على حياتهم وتجريدها من براءة الطفولة وإنسانيتها.ويعد الاغتصاب والعنف الجنسي من الجرائم المرافقة للحروب منذ العصور التي تستخدم كسلاح اجتماعي مدمِّر، فالعديد من الفتيات واليافعات أٌصِبْنَ بأمراض جسدية خطيرة ومشاكل نفسية كبيرة ترافقهنَّ مدى حياتهنَّ.وإنَّ العديدَ من الأطفال يموتون أو يصابون بأمراض خطيرة بسبب التأثيرات الفيزيولوجية غير المباشرة للحرب، حيث تكون معظم المشافي والمراكز الصحية مدمرة أو خالية من الأطباء والممرضات ، وربما قد فقدو حياتهم أو هربوا ، هذه الأسباب تؤدي إلى انتشار الأمراض والأوبئة غير المسيطر عليها مثل : الكوليرا والإسهال والملاريا وشلل الأطفال على الرغم من أن العلاج لها يكون رخيصاً وبسيطاً لكن الملايين من الأطفال يفقدون حياتهم بسبب نقصه.ذكرت منظمة (أنقذوا الأطفال) البريطانية أنَّ عدد الأطفال الذين أُصيبوا بشلل الأطفال وصل إلى80 ألف طفل وأنَّ المئات منهم ماتوا في الحاضنات بسبب انقطاع الكهرباء .الآثار الاقتصادية:إنَّ انهيار الاقتصاد جراء الحروب والصراعات له تأثيرٌ عميقٌ على حياة الأطفال ومستقبلهم ، وإنّ هذا التأثير يتجسد في تدمير الحياة التعليمية للطفل ، فقد وصل عدد الأطفال اللاجئين المحرومين من التعليم إلى 3.5 مليون طفل متوقف عن التعليم حسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان .ويشكل أيضاً ضغطاً كبيراً على الأسر بسبب توقف وظائفهم و أعمالهم، فالآباء في كثير من الأحيان لا يستطيعون رعاية أولادهم والاعتناء بهم وتوفير احتياجاتهم من الحياة, كلّ هذا نتيجة الفقر المرافق للانهيار الاقتصادي فأغلب البلدان التي يتم فيها الصراعات والمنازعات تصل إلى درجة عالية من الفقر.تقدر اليونيسيف أنَّ واحدًا من بين كل عشرة أطفال يعمل الآن ، وأنّ 60,000 منشأة صناعية مدمرة بشكل كلي وجزئي في سوريا (80% من النشاط الصناعي) يكلف إعادة إعمارها 21 مليار دولار.الآثار النفسية:دُرستْ الصدمات النفسية والعاطفية الناجمة عن الحرب على نطاق واسع في السنوات الأخيرة لما لها من تأثيرات واضحة على الأفراد وخاصة الأطفال.وهناك مصطلح يطلق عليه (ما بعد الصدمة) أي ما يتأثر به الفرد جراء الصدمات النفسية الناجمة عن الحروب ، وتتمثل بانتشار الأمراض النفسية والمشكلات الاجتماعية التي تؤثر على قدرة الفرد على إقامة علاقة صحية مع الأفراد الآخرين، ويعد الأطفال أكثر المتضررين بسبب ما يعانونه من الخوف والرعب بسبب أصوات المدافع والقذائف وغيرها من الأسلحة. وحسب إحصائيات اليونيسيف فإن حوالي مليون طفل بحاجة إلى علاج نفسي.المرونة، وماذا يمكن أن نقدم لهم…؟يجب أن نلفت الانتباه إلى قدرة ومرونة الأطفال على الرجوع إلى الحياة الطبيعية من جديد , فبمجرد توفير البيئة الصحيحة والحماية الكافية لهم يمكن أن ينجحوا ويتعافوا من بداية صعبة في حياتهم.هذه نقطة مهمة في أساس عملنا إذ يجب علينا أن نسخّر البرامج التعليمية والأعمال التي تؤدي إلى خلق بيئة صحيحة تعطي فرصًا للأطفال للنهوض والتعافي مما أصبحوا فيه جراء الحرب.إنَّ التعليم هو أفضل وسيلة تستخدم لبناء مرونة الطفل من جديد وذلك بتوفير المدارس وإنشاء النوادي التعليمية والتدريبية فضلًا عن تزويدهم بالإرشاد الكافي الذي يؤهلهم للنهوض من جديد .