حازم العلي |
جرت عادة البشر أفرادا ومؤسسات خلال أعمالهم في حياتهم أن يقيسوا نجاح أعمالهم فيما يرونه من النتائج والآثار المرجوة من هذه الأعمال وفق تخطيط محكم ومسبق، ففي المجال الفردي يدرس الطالب ويجد لغاية ينشدها وهي التفوق،
وفي مجال المؤسسات تقدم الجمعيات الخيرية المساعدات الإغاثية والدعم بجميع أنواعه وفق خطط مجهزة لتحقيق أهداف يعرفون مدى تحققها بملاحظة الأثر المُتحقق بعد الإنجاز.
وتبرز لنا قيم النجاح التي لولاهم ما حدثت، ويتعاظم بذلك شأنهم لحد العجب،
ولكن إذا أردنا أن ننظر إلى الأمر بطريقة أخرى في المثالين السابقين، هل يمكن أن نقول للطالب الذي درس واجتهد ثم لم ينجح إنه فاشل؟!
وهل عدم ملاحظة أثر تقديم الدعم والمساعدات يعني عدم وجوده أو عدم نجاح هذا العمل؟ إن كانت هذه هي الصورة الذهنية عن النجاح لدى كثير من الناس فهي تصور خاطئ.
إن السعي لبلوغ الغايات والمرامي النبيلة في أي عمل هو النجاح الأول والأسمى وإن لم تبلغ، وإن السير على طريق النجاح هو النجاح عينه وإن لم تصل.
إننا نعيش في كون مدبَّر مُحكم الصنعة، مكلفين فيه بكل عمل نستطيعه فيه الخير والصلاح، أما نتائج وثمار هذه الأعمال فهي شأن الحكيم الخبير، إن شاء أينعها وإن شاء منعها أو أجلها لوقت آخر.
فكم من ساعٍ ومجدٍ لبلوغ غاية لم يدركها أدركها غيره في غير حاله؟! فجهد نوح لألف سنة إلا خمسين عامًا، لم يحصد ثماره المرجوة فهل فشل سيدنا نوح؟!
وجهاد ابن الوليد في المعارك الكثيرات لم ينل بها ما رجاه، بل مات في فراشه فهل فشل سيدنا خالد سيف الله المسلول؟!
وهل فتح القسطنطينية بقيادة السلطان (محمد الفاتح) يُعد نجاحًا، والمحاولات السبع التي سبقه بها قادة مسلمون لم يكتب لهم الفتح تُعد اخفاقات؟!
إن من أغبن الغبن أن نُحجِّم النجاح في أحد صوره البسيطة، ونَغفل عن صور أسمى وأعظم، بل إن الإسلام جعل أُسَّ النجاح وأساسه هي النوايا قبل الأعمال،
ونجد هذا المعنى أشد وضوحًا في حديث النبي محمد صلة الله عليه وسلم: “إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها”
اغرس، واعمل، واجتهد، واسعَ، واترك ما بعد ذلك لقيوم السنوات والأرض، هي دعوة لتغيير نظرتنا للنجاح الذي هو غاية كل مجد ومجتهد، وهي دعوة لبناء فكر إيجابي في مجتمعنا، فلا تهنوا وتملوا إذا لم تلحظوا ثمار أعمالكم، بل استمروا وأكملوا فأنتم ناجحون منذ أول خطوة خطيتموها، ولا تغتروا كثيرًا بما ترونه من ثمار أعمالكم، بل دققوا أكثر في الطريق الذي أوصلكم لها، وفي كل حال تقدموا ..