علاء العلي |
يشهد النظام الصّحي العالميّ تدهورًا ملحوظًا بعد الإعلان عن تفشي فايروس كورونا في دول العالم، جائحة تسببت في اختلال واضح في المنظومة الصحيّة العالمية، ألقت بتداعياتها السلبيّة على الاقتصاد وحركة النمو، فظهر عجز الدول وهزالتها.
هذا الوضع ترك أثرًا بالغًا على أنشطة الدول خارجيًا، وقلّص الفيروس من زخم التدخّل العسكري، فروسيا مثلاً الدّولة التي باتت تهيمن على مفاصل القرار في سورية، و تدير حلبة الصراع انكفأت بعد تفشي هذا الوباء، لتعلن وزارة دفاعها عن خطط إيقاف نقل العتاد والعناصر، بل تعدت ذلك لتعلن عن خطط فاعلة لحماية جنودها في قاعدة حميميم وفي مناطق الانتشار، في انكفاء واضح باشرت فيه بعد استشعارها حجم الضّربة الاقتصادية التي تسبب بها الفايروس الخارج عن نطاق السيطرة كما صرح بذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتن.
تخوف روسي آخر يُؤخَذ على محمل الجدّ والاهتمام، وهو تنقل عناصر الميليشيات الإيرانية القادمة من بلد يموت فيه أكثر من عشرة أفراد كل ساعة بسبب التفشي المزمن للوباء في إيران، وعدم تبنّي قرارات صارمة من الحكومة السّورية التي تدعمها موسكو وهزالة موقفها، ما أضاف مخاوف فعليّة ومحاذير من خطورة الانتشار الروسي داخل سوريّة، فالإجراءات السورية تكاد تكون غير فعالة وغير مجدية وسط غياب أي قدرة على التحكّم بهذه الأفواج الإيرانية التي تنتشر داخل البلد.
أثر خطير جدًا خلّفه الوباء على إيران التي تصنّف سياستها بالأكثر فتكًا على الصّعيد العسكريّ في سورية ورديفًا لروسيا في معركتهم القذرة على الشعب السوري، فالانتشار المرعب للميليشيا الإيرانية في المفاصل الأمنية والعسكرية والمدنية السورية وعدم القدرة على التحكم فيها، جعلها الناقل الأكبر لهذا الوباء على المستوى الشعبي والسياسي والعسكري والديني، وما زاد المشهد صعوبة أن كلا البلدين (سورية، وإيران) يخضعان لعقوبات صارمة على مستوى الدّعم الدولي، الأمر الذي ينذر بمخاطر محدقة لا يبدو أنها آخذة للاضمحلال .
الانكفاء الروسي واستشعاره للخطر الدّاهم، واللامبالاة الإيرانية حتى اللّحظة سيتركان آثارًا حتميّة على المشهد السّوري.
لا يبدو أن الرّغبة الإيرانية في استمرار الحرب في الشّمال السوري، وإعادة سيطرة النظام لكافة التراب السوري قد توقفت أو تراجعت، فالحشود الإيرانية باتت واضحة للعيان على محاور الريف الجنوبي لإدلب، ضاربةً عرض الحائط كل تطوّرات الأزمة الخانقة التي تعصف ببلادهم، وهو ما يفسر حجم الانفصام عن الواقع الذي تعيشه هذه التّشكيلات ومشغليها.
حديث الصّحافة الرّوسيّة في الفترة الأخيرة عن تقسيم سورية بشكل واقعي، وهو أحد المحاذير التي ما برحت تدفع شبحه عن سورية، وإطلاق التحذيرات المستمرة عن عدم رغبة روسية في استمرار القتال في إدلب وتحميل الجهات المنفذة للعمليات كامل المسؤولية، لا يقرأ إلا من باب تخوّف جاد من الرّوس أن حروبًا بدأت من نوع آخر، تحتاج تقوقعًا داخليًا وإيقاف الحروب التقليديّة، فكثيرة تلك المصادر الروسية التي ترجّح الدخول في حقبة الحرب البيولوجية، التي ستعيد خطط روسيا في سوريّة وفي معظم مناطق نفوذها.
الانفلات الصّحي الذي سينعكس سلبيًا على اقتصادات الدول المهيمنة على الوضع السوري، سيؤدّي إلى مزيد من وقف الانزلاق في هذا الثقب الأسود، لينصبّ الاهتمام بالدّرجة الأولى على تماسك البلد منعًا لانهياره، ومع ذلك فإن الوباء هذا يُقرَأ على شكل صمود وتحدٍّ بين الدول العظمى، وبقدر الصّمود ستبقى الدولة الأقوى وسيتقلّص نفوذ البقية، وسيبقى الحذر دَيدنُ الجميع، وبالمحصّلة فإن اشتداد فتك هذه الجائحة بهذه الدول سيشكل بارقة أمل للسوريّين بإنهاء الصراع على أيديهم فقط بعد انشغال الدول بترميم ما هدمه الفايروس المجهريّ، وقراءة الحادث بشكل غير تقليديّ.