حين فكر السوريون بكل أطيافهم بالخروج بمظاهرات ٢٠١١ بأعداد كبيرة مثل مليونية حماة ونصف المليون في دير الزور كان السوري حينها يخرج وفي عينيه حلم إسقاط الظلم والهيمنة والفساد، فتحررت بعض المدن والبلدات من سيطرة النظام، وكنت أذكر حين تحرير كل حي أو مدينة أو قرية كيف يخرج الناس فرحين بإسقاط الظلم حتى تفيض أعينهم بالبكاء من شدة الفرحة، وبعد سنة أو أكثر بدأت المناطق المحررة تشهد ولادة زعماء عصابات تحت مسميات متعددة، كانت هذه العصابات محدودة في البداية وحتى أنها تعرضت لعدة حملات من بعض الشرفاء لإزالة شرها، لكن للأسف كانت النتيجة عكسية، فقد تكاثرت هذه العصابات واصبحت ذات نفوذ ولها سجون ومحاكم وهي أشبه بدولة مصغرة تصدر قرارتها من وحيها الخاص المستمد من دستورها الشرعي كما يزعمون تحت غطاء الجيش الحر أو الكتائب الإسلامية، هذه العصابات نهبت واعتقلت وقتلت تحت التعذيب وفعلت ما يفعله نظام الظلم الذي ثار ضده الشعب.
السوري الذي شارك في ٢٠١١ من أي طائفة كان، اختلفت ردود أفعاله حيال هذه التصرفات، فالبعض انسحب منذ بداية التدخل العسكري و شعر أن الأمور خرجت عن السيطرة، والبعض الآخر ناضل في البقاء وإصلاح ما يمكن إصلاحه،
لكن الواقع أنه بعد ٧ سنوات أصبحت الساحة السورية متقاسمة بين فصائل مرتزقة لدول معينة وعصابات للقتل والنهب وفصائل إسلامية تنادي بالخلافة وتحكيم الشريعة، وثلة قليلة من الشرفاء في العمل العسكري لا يمكنهم تغيير الواقع المرير بسبب انكفائهم على أنفسهم.
أمام هذا الواقع لم يبقَ في الساحة من أهل النضال الذين انطلقوا في ٢٠١١، فالغالبية أصبح يفكر في واقعه ومستقبله بعد استنزافه طيلة السنوات الماضية، فمنهم من انسحب من الميدان بشكل كلي، ومنهم من قرر الاستمرار بآلية مختلفة ومنهم وجد من اللجوء مستقرًا له، وثلة قليلة من المخلصين ما زالوا يناضلون في الميدان،
لكن النقطة الأهم هو المواطن السوري البسيط الذي وجد نفسه أمام واقع اختلط فيه الحابل بالنابل لم يستطع التفريق بين زعيم الإجرام في النظام السوري وزعماء الفصائل المجرمة في المعارضة، فكلاهما في عقلية هذا المواطن مجرم ولكن بأدوات مختلفة.
لا تلوموا من رفع علم النظام لحماية نفسه من البطش خصوصًا بعد أن رجحت الكفة بشكل واضح وملحوظ لصالح النظام، لقد كنا في يوم من الأيام أمام اختبار صعب لإثبات مزاعمنا أننا أهل الحق ونحن من نحارب الظلم والفساد ولن أكون مجحفا إن قلت إننا فشلنا بسبب خذلان من القريب قبل الغريب والصديق قبل العدو لتحقيق ذلك لتنتهي حالة المواطن السوري البسيط إلى نقطة الصفر بمعنى أن يعود إلى حلمه قبل ٢٠١١ في تأمين مأكله ومشربه فقط، لكن رغم كل هذا مازلت أرى نورًا يشق طريقه نحو الحلم بمعطيات جديدة سأكتب عنه في قادم الأيام ..