زهير السباعي
في الرابع من حزيران يونيو ٢٠٠٩ ألقى الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما خطاباً تحت شعار (بداية جديدة) في قاعة الاستقبال الكبرى لجامعة القاهرة في جمهورية مصر العربية أمِّ الدنيا، وذلك وفاءً لوعده أثناء حملته الانتخابية بأنَّه سيوجه رسالة للمسلمين من عاصمة إسلامية عريقة، فاختار القاهرة كونها تمثل قلبَ العالم العربي والإسلامي من مختلف الجوانب.
تعتبر مصر إحدى القوى الأساسية في عملية السلام في الشرق الأوسط، الهدف من الخطاب تحسين العلاقة بين أمريكا والعالم الاسلامي التي تدهورت في عهد جورج بوش الابن، قبل إلقاء أوباما لخطابه قام بزيارة مسجد السلطان حسن بالقاهرة لإظهار احترامه للدين الإسلامي وحضارته، كان برفقته وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون التي ارتدت الحجاب احتراماً للدين الاسلامي، استبشر العالم العربي والإسلامي خيراً بخطاب أوباما الذي تابعه الملايين أمام شاشات التلفاز. تضمن الخطاب وعوداً معسولة لم تتحقق، فلا التغيير حصل ولا الديمقراطية حلَّت ولا الطواغيت رحلوا. كان خطاباً حماسياً وعاطفياً بامتياز.
بعد مضي أكثر من عام ونصف على خطاب أوباما وتحديداً أواخر عام ٢٠١٠ ومطلع عام ٢٠١١ اندلعت موجة عارمة من الثورات والاحتجاجات السلمية في مختلف أنحاء الوطن العربي، بدأت بمحمد البوعزيزي بتونس التي انطلقت منها الشرارة الأولى.
تميزت الثورات العربية بسلميتها ورفعها شعاراً واحداً شكّل أيقونتها وهو: الشعب يريد إسقاط النظام، لم يخطر ببال أحد أن يصل الربيع العربي إلى دولة التصدي والممانعة سورية، كونها تحكم بقبضة حديدية ويديرها أكثر من عشرين جهازاً أمنياً ومخابراتياً مهمتهم حصد أنفاس الناس، المضحك في الأمر استقبال النظام السوري للمذيعة التلفزيونية الشهيرة (باربرا والتز) وإجراء أول مقابلة تلفزيونية مع الإعلام الأمريكي بعد مضي سبعة أشهر على بدء عملية القمع والقتل والاعتقال للمدنيين العزل أواخر عام ٢٠١١، أثناء المقابلة التلفزيونية نفى النظام السوري كعادته أن يكون أصدر الأوامر بقتل المحتجين وقال: إنَّه لا يفعل ذلك سوى شخص مجنون، حاول النظام الهروب من جميع الأسئلة التي طرحتها عليه المذيعة المخضرمة الشهيرة باربرا وقال: إنَّ سورية محصنة ضد الإنفلونزا.
مع استمرار الاحتجاجات واتساع رقعتها وبالرغم من سلميتها سارع النظام السوري وبإيعاز من إيران التي لديها تجارب في قمع المظاهرات باستعمال القوة المفرطة والرصاص الحي لإخمادها. مسلسل المجازر والقتل والتدمير والاعتقال والتشريد بدأ وبشكل يومي، أمام هذا المشهد كان لابدَّ للمجتمع الدولي التحرك، فكانت بعثات الأمم المتحدة لتقصي الحقائق التي فشلت بأداء مهامها في وقف المجازر وزاد الطين بلة الفيتوات الروسية والصينية التي عرقلت صدور أي قرار أممي لوقف نزيف الدم السوري.
وضعت إدارة أوباما خطة تقضي بتقسيم سورية إلى مناطق نفوذ كأمر واقع وسمتها بالفيدراليات مع القضاء على الأكثرية وتهجيرها وتقليص مساحتها قدر الإمكان تمهيداً للتقسيم النهائي الذي تمَّ الاتفاق عليه بين كيري ولافروف، حيث أكلا البيتزا وشربا الفودكا، لكن مشت الرياح بما لا يشتهي بوتين، فاز ترامب بالانتخابات الأمريكية وسارع إلى تعديل خطة أوباما، فكانت الأولوية لترامب القضاء على داعش ثمَّ إنهاء النظام السوري، وهذا ما صرَّح به ترامب للافروف أثناء استقباله في البيت الأبيض الذي خرج عن بروتكلاته الرسمية بفرشه السجاد الأحمر للافروف واستقباله في البيت الابيض المخصص لاستقبال الرؤساء.
إدارة ترامب وضعت خطة أسمتها خطة التهدئة هدفها وقف القتل كمرحلة أولى بانتظار تبلور الخطة النهائية وما ستؤول إليه الأوضاع على الأرض.
الروس الذين فشلو في القضاء على الثورة السورية عسكرياً كانوا يسابقون الزمن قبل تبلور خطة ترامب بعد رحيل حليفهم في الملف السوري أوباما، ولاحتواء خطة ترامب ألَّف الروس مسرحية أستانة التي تخدم مخططهم في إنقاذ النظام السوري وإعادة تأهيله.
الخطة الأمريكية تتوافق شكلاً مع المرحلة الأولى للخطة الروسية، لكنَّها تختلف عنها بالمضمون جذرياً، ترامب طلب من الروس كبح جماح النظام السوري وخروج إيران وميليشياتها وتوابعها من سورية- ربما يكون حزب الله اللبناني فهم الرسالة- وقد كانت رسالة ترامب لبوتين واضحة النظام السوري انتهى، وخطة أستانة لا تساوي الحبر الذي كتبت به.