جاد الغيثهكذا استبدلت ابنتي الصغيرة تحية ما قبل النوم مع أمها!وحتّى الآن ولله الحمد تصحو ” مها ” كلَّ يومٍ لتجد نفسها في الفراش بيننا، على رأسها حجابها الأبيض وهي ترتدي بنطال جينزٍ ومعطفاً أحمر اللون. فليس من المناسب ارتداء بيجاما النوم في حلب الشرقية لأنّك قد تصحو في فراشك ولكن تحت الأنقاض، ومها ابنتي لا تحبُّ أن يحملوها من هناك شهيدةً دون حجاب.قبل الثورة كانت تنام في سريرها الصغير بجوار دميتها، ولكن هذه الأيام كثيراً ما تنام بيننا – أنا وأمها – معتقدةً أنّنا في صباحٍ ما سنكون معاً في الجنة!شوقها لذلك المكان يزداد؛ لأنّها ستلتقي هناك برفيقاتها، كلهنّ رحلن في غاراتٍ جويّة وكنَّ دون حجاب مع أنهنّ صغيرات، ولكنّ ” مها ” ترفض نزع حجابها طوال الوقت وكأنّها على استعدادٍ دائمٍ للرحيل، وكلّما سمعت صوت قذيفةٍ أو طائرةٍ حربيّة تقرأ سورة الصمد وتنطق بالشهادتين!تفعل ذلك باطمئنانٍ دون خوف، إلا أنّها عادةً ما تلتصق بي أو بأمها كلّما حدث وسمعت صوتاً لانفجار، وتكرر قولها بعد كل قذيفةٍ قريبة هذه ليست لنا!أحوالٌ عجيبةٌ ﻷطفالنا ليست أعجب من أحوالنا؛ فقد تغير كل شيء في حياتنا، “عادات النوم وملابس النوم وحتى أحلامنا التي أصبحت منذ أكثر من خمس سنوات صدىً لأصوات انفجاراتٍ قويةٍ ممزوجةٍ بالرعب، ووقوفاً طويلاً على الحواجز العسكرية، وهذيان زوجتي وهي نائمةٌ بكلماتٍ لا أفهمها دائماً من قبيل (انزلوا للقبو / أسرعوا / ابتعدوا عن النافذة) وغيرها من كلماتٍ لحمايتنا من قذائف الأحلام الدمويّة!”وكثيراً ما سمعت عن حلمٍ شائعٍ بين بعض الأصدقاء يتكرر مع بداية نومهم ومحتواه أنّهم يصرخون تحت الأنقاض. هذه مشاكل النوم في ظلِّ الثورة، وهي أفضل بكثير من البقاء مستيقظاً طوال الليل وأنت تعدُّ القذائف وتتوقّع مكان سقوطها، هذه قريبة وتلك بعيدة، ومع كلِّ قذيفة تسقط ينخلع قلبك من مكانه ثم يعود، ولكنّ بعض الأرواح واﻷماكن واﻷشياء تتحوّل لمجرد ذكرياتٍ ترحل ولا تعود! بقي أن أخبركم أنّني كتبت كلماتي إليكم وأنا أحصي قذائف هذه الليلة الباردة من ليالي الحصار، وقد صار عددها حتى اللحظة ستاً وخمسين قذيفةً وما زلنا هنا على أرض حلب الشرقيّة، وما زلنا بخير أنا وزوجتي ومها!ولكن ربّما نصحو غداً على جنة!