بقلم أنس إبراهيم
إنّ تعاقب الأحداث وتسارعها على بقعةٍ واحدةٍ من جغرافيّةِ العالم يُؤدّي بساكنيها إلى استغشاء آذانهم عن سماع كلِّ التحليلات والتفسيرات التي تقف وراء حدوثها، وتجعلهم في تطلّعٍ دائمٍ إلى حلّ جذريٍّ يسعفهم من وطأة الحرب ونتائجها الكارثية، مهما كانت تلك الحلول أشدّ وطأة من الحرب نفسها!
وهذا هو الوتر الذي تعزف عليه أمريكا وتحاول إقناع جماهيرها به من خلال الحل السياسي الذي ترسمه؛ لتعيد تشكيل اللوحة السورية كما تحب أن تراها بالتوافق مع إيران وروسيا، إذ تشهد الساحة السورية بين الفينة والأخرى تصعيداً عسكرياً مفاجئاً لا مثيل له، فقد تعرضت مدينة حلب في شهر نيسان الماضي إلى هجمة روسية أسدية هي الأشرس من نوعها، حيث استهدفت المشافي والنقاط الطبية والمدارس والأبنية المدنية ضمن الهدنة المزعومة التي طبَّلت لها وفرضتها الجهة المتحكمة في اللعبة السياسية والعسكرية في المنطقة.
لاشك أنَّ هناك عائقاً ما يقف أمام الولايات المتحدة الأمريكية, على الرغم من أنَّها تتحكم بجميع الدول الإقليمية وتسيرها حسب مصالحها المختلفة وهيمنتها وأهوائها التي تحب فرضها على الجميع, وتجعلها تلعب دوراً بارزاً في أكثر المناطق استراتيجية وخطورة على أمنها واستقرارها وضمان وصول الجزية إليها من الشرق، حيث تتحكم هذه الأخيرة بأكثر قيادات المعارضة السورية كما يتحكم ممثل كره كوز وعواض بأقوال شخصياته وأفعالهم أمام النظارة، وتفرض عليها خيارات من شأنها المحافظة على توازن القوى العسكرية بينها وبين قوات النظام السوري التي شارفت على الانهيار لولا التدخل الإيراني والروسي.
لقد أدركت أمريكا حقيقة الرأي العام لدى الشارع السوري بعيداً عن كلِّ المحاولات التي تسعى من خلالها إلى فرض خططها الاستراتيجية لحرف الثورة السورية عن مسارها، فالذي يطغى على الأرض في الشارع السوري هو التمسك بالثوابت الوطنية ومبادئ الثورة والحرية والذي لا يعترف بالحلول التي تفرض من الخارج، وبذلك تفشل أمريكا في تمرير حلها السياسي في سوريا بسبب حجم الوعي الذي يمتلكه السوريون الشرفاء, فكان لا بدَّ لها من تصعيد الهجمات بالاتفاق مع روسيا على الشعب السوري؛ ليخضع ويستكين لشدة هذا القصف الذي أدَّى إلى اتخاذ الهيئة العليا للمفاوضات قرار انسحابها من مؤتمر جنيف وعدم عودتها لاستئناف المفاوضات إلا بعد إيقاف القصف على مدينة حلب، ولكن الشعب الذي لم يرهبه جلاد الطاغية وبراميله لا يمكن أن يستسلم بعد أن دفع فاتورة بقائه من دمائه.
يبدو أنَّ الأيام القادمة ستحمل في طياتها الكثير من خيبات الأمل والتوقعات الخاطئة التي أخذتها أمريكا من منجميها ومحلليها السياسيين والعسكريين وأذنابها المتغلغلين كأجندة خفية في خلايا الثورة، لأنَّ المجتمع السوري أخذ على عاتقه المضي قدماً في إكمال مسيرة الثورة حتى بلوغ هدفها وهو إسقاط النظام السوري وكافة عملائه مع المحافظة على جميع مؤسسات الدولة وعدم اغتراره بكل الإملاءات الخارجية التي من شأنها أن تفشل العمل الوطني النهضوي.