في عدد سابق، تحديداً في العدد 94، كنت قد كتبت عن ذات الموضوع، يومها كنت أحاول أن أقول إن تطبيق الشريعة يحتاج إلى فهم مشترك بين أبناء الدين الواحد حتى يتحقق في دولتهم المنشودة، وبسبب تعذر ذلك للاختلافات الكثيرة التي تصل إلى حد التكفير في بعض الأحيان، يبقى تطبيق الشريعة وهماً كبيراً، فما سيحدث على الأغلب، وما حدث على مر التاريخ الإسلامي هو تطبيق لعقلية وفهم المتغلب، التي هي مناقضة للشريعة في الفهم الآخر لأبناء نفس الدين والمذهب والعرق.
ستدعي كل فرقة بأنها الفرقة الناجية، وبأن فهمها للدين هو ما نص عليه الله ليعبد في الأرض، وبأن فهم الآخرين هو فهم مشوّه، وفهم مليء بالأكاذيب والمؤامرات، التي يديرها أشخاص في الخفاء يريدون من ذلك القضاء على الدين حقداً وكفراً. وسيستمرون في النضال والحرب وقتل الناس في سبيل معتقدهم، وغيرهم يفعل ذلك، وهكذا دواليك …، دون أن تنتصر فكرة بشكل مطلق، مع ملاحظة شديدة الأهمية وهي نضال أبناء الملل والطوائف والأفكار والأحزاب الأخرى في اقتتال لا ينتهي، لذلك لابد أن يأتي اليوم الذي تعقد فيه التفاهمات بين الجميع ضمن سياسة الحل الوسطي حيث يكون الكل خاسراً أو الكل رابحاً، وستوضع فيه الأسس التي سيتفق عليها الجميع على أنها الحل الأفضل لهم جميعاً حتى يعيشوا في وطن واحد، فمحاولة إلغاء الآخر وطرده، أو التغلب أثبتت عبر التاريخ أنها لا تدوم فترات طويلة، لأن الانقسامات تبدأ بالظهور في الفرقة نفسها طمعاً في الحكم والمناصب، والمنتصر بالقوة لن يستطيع إنكار القوة التي ستزيحه، أو لن ينفعه إنكار عدم شرعيتها .
ما أحاول قوله هنا أننا نمتلك الوقت لاختصار مذابح قادمة، والوطن لجميع أبنائه شاء من شاء وأبى من أبى، والشريعة لا تتعارض أبداً مع أي حكم يحفظ الدماء والحقوق لأنها أوجدت لذلك، والحروب لم تكن يوماً لإنهاء الشرائع بحد ذاتها، وإنما كانت لإنهاء القيم التي تحملها الشرائع من العدالة ونصرة المظلوم، والمساواة بين الناس.
أما شريعة الأقوى فهي وإن اتفقت أو اختلفت مع شرائع سماوية أو أرضية تبقى هي شريعة الغاب، التي لا يمكنها أن تدوم طويلاً في أي مجتمع إنساني مهما كان بسيطاً..
“إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب”
المدير العام / أحمد وديع العبسي