أ. شفيق مصطفى |
إن ما يمثل السياق الإسلامي لتطور قضايا المرأة في مرحلة تحصيل الحقوق هي فترة الوحي التي تمتد من نزوله إلى وفاة النبي عليه الصلاة والسلام، أما في السياق الغربي فيُؤرَّخ لذلك بالموجة الأولى وبدايات الموجة الثانية لتطور قضايا المرأة التي تمتد من الثورة الفرنسية 1789م وكتابات (ماري، ولستونكرفت) إلى أربعينيات القرن المنصرم.
سنعرض مقارنةً سريعة بين السرديتين وفق المحاور الخمسة الآتية:
1 – الحقوق المتحصلة: إن المتتبع لجملة الحقوق التي تم تحصيلها بين السياقين الإسلامي والغربي يجد أنها هي هي من حيث العنوان (حق الملكية، حق التعليم، حق العمل، حق التصويت والمشاركة السياسية)، إلا أن الفرق يبرز من زاوية أساسية وهي التطبيق في الواقع، فالحصول على الحق على شكل قانون يُقرّ في البرلمان شيء وقبول المجتمع وسريان الحق في المؤسسات العامة والخاصة شيء آخر، فبالرغم من إقرار حق التصويت والمشاركة السياسية للمرأة في فرنسا مثلًا عام 1944م، إلا أن مشاركتها في البرلمان لم تتجاوز 5 إلى 7% والأمر ذاته ينسحب على باق الحقوق!
واقع مختلف نراه في السياق الإسلامي في فترة البعثة، فما يُعطى من حق نراه يطبق في حينه: “لا تمنعوا إماء الله مساجد الله” قرار صدر وطُبِّق من فوره وتعليم المرأة كذلك و “قد أجرنا من أجرتِ يا أم هانئ” وَجَد طريقه للتطبيق في حينه..
2 – موقف السلطة: لقد كانت السلطة السياسية في السياق الإسلامي (الرسول رئيس الدولة) متفاعلة جدًا مع قضية المرأة، بل كانت مُتقدِّمة في طرحها، لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم فرصة إلا وذكَّر بحقوق النساء وأوصى بهنَّ خيرًا، حتى في خطاب المؤتمر العام للمسلمين قبل وفاته عليه الصلاة والسلام (حجة الوداع) كانت قضية المرأة حاضرة وبقوة، وحازت على نصيب وافر من الخطبة التي ختمها النبي صلى الله عليه وسلم “فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيرًا، ألا هل بلغت…اللهم فاشهد.
في المقابل كانت السلطات الحاكمة في أوروبا منذ العام 1789م وحتى أربعينيات القرن الماضي تقف بين موقفين: الضغط على النساء وقمعهنَّ، كما حصل في حكومة الثورة في فرنسا، وكما كان الحال في بريطانيا، وقانون الغطاء وحضانة الأطفال وغيرها التي تعد انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان، فضلًا عن حقوق فئة كالنساء.
أما الموقف الثاني فكان يأخذ شكل التقدم بخجل نحو إعطاء المرأة تلك الحقوق الاجتماعية أو السياسية، بل والتلكؤ في كثير من الأحيان، لدرجة أن يتحول حق المساواة في الأجور الذي هو حق بدهي في الإسلام إلى قضية رأي عام يُثار النقاش حوله ولا يكاد ينتهي إلى الآن!!.
3 – موقف المجتمع: لم يتكلّف المجتمع الإسلامي الكثير لتقبل أوامر النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما يتعلق بالمرأة، زد على ذلك أنه لم يعد هناك ما يسمى (قضية المرأة)، فبرزت نساء كثر وعلى رأسهنَّ زوجات النبي عليه الصلاة والسلام في ميادين (العلم، والمال، والعمل المجتمعي) وأصبحنَ مرجعًا في المجتمع للرجال والنساء في تلك المجالات.
وإذا نحينا النظر جهة الغرب، نجد القضية معكوسة تمامًا؛ فالمجتمع كان ولايزال ممانعًا لحصول المرأة على أي حق من حقوقها، الأمر الذي ألجأ بعض الحكومات، وبضغط من الجماعات النسوية، إلى فرض نظام (الكوتا) في المؤسسات العامة، وأحيانًا الخاصة لضمان وجود نسبي للنساء في الفضاء العام.
4 – الثمن المبذول: يكاد المرء لا يصدق الثمن الذي دفعته وتدفعه المرأة الغربية من الدماء والأوقات والجهد الكبير في الموجة الأولى والثانية، وما يسمى بما بعد النسوية لتحصيل حقوق هي من أساسيات حقوق الإنسان! والأهم من كل ذلك هي المؤسسة الأم في المجتمع (الأسرة) التي كانت الثمن الأكبر الذي دُفع، فالصراع الذي انطلق بين المرأة والرجل مع نهايات القرون الوسطى وحتى الآن قسَّم المجتمع، وبشكل عنيف، إلى (مجتمع) نساء و(مجتمع) رجال، وانعكس هذا (الصراع) سلبًا، وبشكل مباشر، على أول مؤسسة يلتقي فيها المرأة والرجل (الأسرة).
5 – المدة: إن القارئ ليعجب إنْ علم أنَّ تلك الحقوق قد تم تحصيلها في السياق الإسلامي في غضون فترة زمنية لا تتجاوز 23 عامًا هي فترة الوحي وبعثة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ينقضي العجب إذا عُلِم أن الحقوق ذاتها قد استغرقت في السياق الغربي ما يزيد عن 140 عامًا لإقرارها فقط لا تطبيقها ودمجها في المجتمع وتقبله لها!