سلوى عبد الرحمن |
بعد مرور أكثر من نصف قرن، تعديلات متوالية يجريها النظام على قانون الأحوال الشخصية آخرها صدر يوم الثلاثاء بتاريخ 5 شباط بموجب المرسوم التشريعي رقم 59 لعام 1950 شملت حوالي 70 مادة من قانون الأحوال الشخصية معظمها متعلق بحقوق المرأة، بعد موافقة من مجلس الشعب برئاسة حمودة صباغ.
تضمنت التعديلات مجموعة من القوانين التي تمنح المرأة مزيدًا من الصلاحيات والحقوق. حيث تتيح التعديلات لكل من المرأة والرجل تقييد عقد الزواج بالشروط الخاصة التي لا تخالف الشرع والقانون (حسب هشام الشعار وزير العدل)، ومنها ما يخص الزواج الثاني والسفر والعصمة والعمل ورفض الإقامة مع زوجة ثانية، ولأبناء البنت الحق من الوصية الواجبة مثل أبناء الابن.
وتقضي التعديلات منع الولي أن يزوج ابنته إلا بموافقتها الصريحة حتى ولو كان يملك ولاية منها، ورفعت سن الزواج من 17 عامًا إلى 18 عامًا، ومنحت الزوجين حق طلب التفريق عند وجود العلل المانعة، وتحولت الولاية للزوجة (الأم) إلى وصاية، إذ تنتقل الولاية لأبنائها القصر بعد زوجها وتنتقل الحضانة للأب بعد الأم بعد أن كانت الحضانة تنتقل مباشرة من الأم إلى أم الأم.
كما تتيح التعديلات الزوجة طلب الطلاق في حال هجرها، وأصبحت المخالعة عقد فسخ وليس طلاقًا، وتُحسب عدة المرأة منذ تاريخ صدور الحكم بالتفريق، وتم استبدال مصطلح “عقد النكاح” بـ “عقد الزواج”، وجملة “تحل له” في عقد الزواج بـ “يحلان لبعضهما”، واعتماد البصمة الوراثية الــ D N A في إثبات النسب، كما أصبح هناك نفقة لأقارب الزوج الميسورين وإن كانوا من دين مختلف، واعتماد المهر المقرر منذ عدة سنوات مراعيًا للقوة الشرائية عند استحقاقه أو طلبه، إضافة إلى تعديلات كثيرة تتعلق بالإرث والنفقة والمهر.
أثارت هذه التعديلات جدلًا واسعًا بين السوريين من خبراء حقوقيين وناشطين في مجال قضايا المرأة، فمنهم من اعتبرها أنصفت المرأة وآخرين وجد فيها انتقاصًا لحقوقها أو تعديًا على حقوق الرجل أو مخالفة للشريعة الإسلامية.
المحامي “رضوان عياشي” من مدينة إدلب في حديث له مع صحيفة حبر كان له بعض الملاحظات على هذه التعديلات: “تروج التعديلات لفكرة اهتمام النظام بحقوق النساء، ولفكرة اهتمامه بحقوق النساء والأطفال لتجميل صورته التي لوثتها دماء آلاف النساء والأطفال الذين قضوا بقصف طائراته وقذائفه وبراميله المتفجرة، فضلًا عن ملايين النساء والأطفال السوريين النازحين والمهجرين واللاجئين.”
وأضاف “العياشي” أن النظام السوري يسعى منذ انطلاقة الثورة السورية إلى إصدار عدد من التشريعات المُسيسة تتماشى مع سياسته وتوجهاته وسياسة وأفكار وتطلعات أهداف الإيرانيين في سورية.
التعديلات تمهّد لفكرة الزواج المدني وتستبعد بعض أحكام الشريعة الإسلامية
رأى المحامي “العياشي” أن النظام يحاول الانتقال تدريجياً من فكرة الزواج الشرعي إلى فكرة الزواج المدني، وذلك بالابتعاد شيئًا فشيئًا عن القيود الشرعية التي تحكم الزواج وآثاره وتبعاته، فعلى سبيل المثال، يعطي الزواج المدني حق الطلاق لكل من الزوج والزوجة وذلك خلافاً للزواج الشرعي، لذلك نرى النظام في هذا التعديل قد منح المرأة اشتراط العصمة بيدها ليكون بذلك قد اقترب من الزواج المدني.
وكذلك لا يسمح الزواج المدني بزواج شخص متزوج وهو ما يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، فنرى النظام السوري في المادة ١٧ يمنع القاضي السماح للشخص الزواج بامرأة ثانية دون مسوغ شرعي وهذا بوابة للوصول إلى الزواج المدني.
وتابع قوله: “التعديلات تمهيد لقبول التشريعات الإيرانية التي تُجيز زواج المتعة وزواج المسيار ونحوها من أنواع الزواج التي يرفضها المجتمع السوري، ذلك حين يجيز للزوج والزوجة اشتراط ما يشاؤون في عقد الزواج، بمعنى أن الزوج يستطيع أن يشترط في عقد الزواج أن تنفق الزوجة على نفسها من مالها أو تسكنه في منزلها، وهو ما يسمى بزواج المسيار، وقد يتطور الاجتهاد إلى أن اشتراط الزوج تحديد مدة لعقد الزواج يعدُّ متفقًا وأحكام الشريعة، ممَّا سيشكل منفذًا لإباحة زواج المتعة في المستقبل”.
كثرت حالات الطلاق والتفكك الاسري في سورية نتيجة الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتردية، ونشأت صعوبات لم يتمكن النظام من إيجاد حلول لها أهمها غياب الأزواج والآباء والأولياء.
حيث لم يعد بمقدور الزوجة أن تحصل على جواز سفر لابنها القاصر أو السفر به بغياب زوجها أو غياب ولي القاصر، حيث قضى معظمهم في السجون أو القتل أو هاجر نتيجة القصف على المدن، ممَّا اضطر النظام بهذا التعديل لمنح الأم الولاية على ابنها القاصر ظنًا منه بأنه وضع حلاً لمشاكل كثيرة، بل على العكس سيزيد ذلك من الصعوبات وذلك لعجز المرأة في الظروف الحالية، ظروف الحرب والفساد المستشري، من إدارة أموال القاصر بمعزل عن الرجل.
تعديلات لا تُلبي حاجة السوريين ولن تحدّ من ظاهرة التفكك الأسري ولا من ارتفاع نسب الطلاق.
أكد “العياشي” أن هذه التعديلات لم تنصف المرأة بمساواتها مع الرجل حسب اعتقاد البعض، فعلى سبيل المثال إعطاء بنت الابن الحق بالوصية الواجبة أسوة بابن الابن وقد لا يعلم الكثيرون أن الوصية الواجبة أخذ بها القانون السوري دون غيره باجتهاد (لابن تيميه) بأنه في حال عدم وجود وصية من الجد فقد افترض أن يكون له وصية بثلث ماله لأبناء ولده الميت قبله على ألا تزيد عن حصة أحد أعمامه، فمن أين جاء النظام بمنح بنت الابن هذا الحق الذي لم يكن له أي مرجع شرعي؟!
وفيما يخص التعديل الذي ينصُّ على أن الولي لا يستطيع تزويج ابنته إلا بموافقتها الصريحة، أشار “العياشي” إلى أن النظام لم يأتِ بجديد لأنه، وقبل التعديل، للقاضي أن يمانع في زواج البنت إذا أبدت سببًا مسوغا للقاضي من معارضتها للزوج الذي اختاره وليها.
تسهيلات وبعض التعديلات مقبولة
وأوضح، أن التعديل الذي ينصُّ على أن يصبح المهر المقرر من عدة سنوات معدلاً للقوة الشرائية عند استحقاقه أو طلبه فهو أمر مقبول لو كان متماشيًا مع السياسة القانونية للنظام السوري الذي كان من المفترض أن يعدل أحكام القانون المدني وكافة القوانين على اعتبار الوفاء بالديون القديمة مقدرة على حساب القوة الشرائية للدَّين عند المطالبة به أو عند استحقاقه، وهو الأمر الذي لم يفعله النظام، ممَّا يثبت أن تعديل قانون الأحوال الشخصية يهدف اليوم الى استمالة النساء للنظام بالإضافة إلى الأهداف التي تم ذكرها آنفًا.
في ختام حديثه، نوّه “العياشي” إلى ضرورة إدارة ندوة من حقوقيين وشرعيين تفند هذه التعديلات التي أقرت على قانون الأحوال الشخصية، لتوعية المواطنين من الأهداف التي يسعى إليها النظام ومدى انعكاسها على حياته ومستقبله.