يبدو أن الهوس بالجمال والشباب صار هاجسًا يلاحق الجميع ذكورًا وإناثًا على حد سواء، ربما تبدو الحكاية مجرد تسلية، لكنها في الواقع تعبر عن بعد نفسي خطير.
نسبة كبيرة من الناس يشغلهم المظهر على حساب الجوهر، فالشباب والقوة والجمال رصيد مجاني يمنحه الخالق عزَّ وجلَّ لعباده في مرحلة عمرية معينة ولكل مرحلة من عمر الإنسان مزاياها ورسائلها التي ينبغي أن نفهمها بعمق، فمن ينظر إلى الشباب كما نظر إليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حين قال في حديث اغتنم خمسًا قبل خمس، وذكر منها شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك؟
يضيعُ الشباب اليوم في ساعات طويلة تكتب فيها الأصابع كلمات تموت بمجرد وصولها إلى الطرف الآخر، فهي مجرد دردشة لا معنى لها إن لم تكن إثمًا أو معصية، وهوس الشباب اليوم في تصفح مواقع لا تضر ولا تنفع إن لم تكن إباحية، لقد أصبحوا في هذه الأيام رمزًا لضياع الوقت والأهداف، وأصبح هدفهم مجرد شكل خارجي جميل، وملابس وتسريحة شعر تتبع آخر صيحات الموضة، إذ لم يعد الشباب مستودعًا مليئًا بالمعلومات القيمة وبناء الذات واكتساب المهارات، وليس كل الشباب كذلك، لكن نسبة كبيرة منهم يركضون بشغف وراء الشكل الخارجي ليبدو جميلاً ملفتًا للنظر، إذ ثمة برامج تعدها فضائيات متعددة يُنفق عليها الملايين تستضيف نساء ورجالاً ليكونوا أجمل شكلاً فحسب لتكريس الشكل على حساب المضمون.
دخل رجل ذو علم على أحد الخلفاء وكان يرتدي ثيابًا رثة وتكلم بكلام ثمين، لكن الخليفة لم يلق له بالاً فاعترض الرجل قائلا: “يا أمير المؤمنين إن الذي يكلمك من هو بالجبة وليست هذه الجبة.” وللأسف كثيرة هي الأحكام التي ترتبط بالشكل وتهمل المضمون، صحيح أن العين تنجذب للجمال والشباب، لكن القلب والعقل يعشق الفكرة النيرة والروح المضيئة، فأين شبابنا من هذه القيم العالية الراقية؟!
إن إشباع الرغبات المادية بغير قيود لا يوصل الإنسان إلى الحياة الطيبة وليس هو السبيل إلى السعادة ولا حتى المتعة القصوى، فمن المحزن أن يلعب الإعلام والتكنولوجيا دورًا سلبيًّا في تشكيل مشاعرنا وأفكارنا والتلاعب بأذواقنا لتبدو كلها مادية وشكلية.
لقد أصبح إنسان اليوم أنانيًّا يريد كل شيء لنفسه، وصارت المتعة في الاقتناء وليست في المشاركة، والطامة الكبرى أن الإنسان يقيِّم الآخر بالمظهر وليس بالجوهر، لقد وصف الله عز وجل بعض الناس في سورة المنافقين فقال: “وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم، هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون”
وفي الواقع يبدو الحل في الوسطية والتوازن، فينبغي على الإنسان المؤمن أن يهتم بالجانب الشكلي والجمالي دون مبالغة وإسراف بما يتناسب مع وضعه المادي، ولكن يبقى عالم الأفكار والقيم أعلى وأرقى، وهذا يتطلب اهتمامًا عظيمًا، فأنت بالروح لا بالجسم إنسان.