غسان الجمعة
العدو هو الشر والتهديد الذي لا يمكن فصله عن الحياة كما المرض…. فهو الذي يقدم خدمات كثيرة، ويعمل مهدئاً عبر المسؤولية التي يمثلها في قلقنا الجماعي، هذه العبارة قالها أحد كبار المفكرين السياسيين الألمان (كارل شميت) حول مفهومه للعلاقات السياسية الدولية.
فمنذ الثورة الفرنسية لم يعد بمقدور أنظمة الحكم الملكية إعلان الحرب والسلم، إذ بات يستلزم لذلك موافقة الرأي العام كونه العنصر الأساس في التعبئة الحربية، ومن هذا المنطلق توجهت معظم الدول الكبرى إلى صناعة ماكينة إعلامية تغذي الرأي العام الداخلي والعالمي بتوجهاتها وأهدافها المستقبلية، لتعبيد الطريق أمام عجلتها السياسية والعسكرية، لتبرير ممارساتها ومواقفها الداخلية والدولية.
ومع الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام العالمية، سعت وكالات الاستخبارات و وزارات الخارجية و الدفاع إلى رفد هذه الوسائل بمراكز أبحاث ودراسات استراتيجية مهمتها الأولى هي صناعة العدو ورفع بورصة الخوف والقلق لدى الرأي العام عبر إنتاج تحليل موضوعي يواكب الخطاب الدولي للسياسيين الذين ينتمون إلى معسكرات هذه المراكز عبر تفنيد التهديدات، ووضع الاحتمالات، و التحكم بمؤشرات المخاطر وفقاً للمصالح الاستراتيجية والمصالح الجيوسياسية لهذه الدول، فهذه المراكز تلعب دوراً مهماً في ترويج البروباغندا الإعلامية، بل تسهم في تكوينها وتنشئتها، كما تسوق المفاهيم والمعاني خلال عمليات القتل التي ترتكبها الدول الراعية لها عبر أنسنتها وتلميعها بانتقاء مفردات مختلفة في وصف العمل ذاته بحسب الجهة التي تقوم به، فيجري افتراضا وصف العمل الإرهابي بأنَّه أعمى ممَّا يعطي بالنتيجة أنَّه أفظع من القصف الجوي لغارة أمريكية محكمة الأهداف في اليمن أو أفغانستان، فالاعتقال في فرنسا هو تدابير أمنية احترازية، في حين إنَّ وسائل الإعلام نفسها ومراكز الدراسات تصف هذا الفعل بأنَّه اعتداء وانتهاك لحقوق الإنسان إن حصل في البحرين أو المغرب، أو الاعتقال في إسرائيل لا يتعدى كونه احتجازاً إدارياً، بينما الأمر في غزة هو اختطاف، كلُّ هذا التزوير مازال يدور في فلك المصطلحات والمفاهيم التي تنصب لها عقوبات دولية ومحاكم جنائية وسواها.
أمَّا على صعيد الساحة الدولية، فإنَّ لهذه الوسائل والمراكز السطوة الأكبر من خلال تقنين وشرعنة الحروب من بوابة التصورات والتوقعات والدراسات التي تجريها لتنتقل بها بعد فترة وجيزة إلى مستوى المخاطر والتهديدات الوشيكة التي قد تصيب الجبهة الداخلية تمهيداً لشن الحرب على هذا العدو أو ذاك عبر ضربة استباقية أو تحالف عسكري يهدف عادة لتحقيق الأمن والاستقرار أو القضاء على الإرهاب في المنطقة المستهدفة، وهو ما عمل به جورج بوش الأب والابن وطوني بلير في أفغانستان و العراق بعد زوال خطر الاتحاد السوفيتي، وكما يفعله بوتين الآن تحت ذريعة محاربة الإرهاب في سوريا لتحقيق الأحلام القيصرية، و هو أيضاً ما تنتهجه العقيدة الخامنئية في المنطقة العربية بحجة مناصرة الشعوب المظلومة.
إنَّ ما يقوم عليه النظام العالمي الآن هو جملة واحدة قالها (ألكسندر أربا توف) المستشار الدبلوماسي لآخر رؤساء الاتحاد السوفييتي توجه بها لخصومه آنذاك: “سنقدم لكم أسوأ خدمة، سنحرمكم من العدو”
نعم الكل في هذا العالم يبحث عن وهم العدو عبر وسائله وأبواقه الإعلامية ليخفي وجهه الحقيقي خلف هذا القناع، وحتى صعاليك الديكتاتوريات مثل عبد الفتاح السيسي وبشار الأسد قد امتهنوا هذه الحرفة، ويمارسونها بعد استثمارهم في منتجات البروباغندا الهوليودية عبر مصطلح طروادة -الإرهاب والتطرف – الذي ما من شيء يعكر صفو مزارعهم سواه حسب زعمهم.