منيرة حمزة |
لم تكن السنون تمرُّ على السوريين دون أثر تتركه وشمًا يستحيل إزالته من سجل ذاكرتهم والتاريخ. كل الشعوب الحرة تعيش ذكرياتها الوطنية لأجلها لا لأجل من شرعها لأنهم هم المشرعون بالأصل.
أما بالنسبة إلينا نحن السوريين لم يكد يخلو شهر من مناسبة وطنية طنانة، وأعياد رسمية مجيدة تربينا عليها جيلاً بعد جيل كانت مزروعة كالقُنب في كتب المدرسة ومزينة لجدران المدن ومداخلها ومحتكرة لشاشة الرائي على القناة الأرضية التي لم نكن نرَ سواها، كانت موظفة لصنع تاريخ مزيف من النصر والعزة والكرامة.
مع ذلك كانت أيام التعطيل أجمل ما في تلك المناسبات، فالفئة الضعيفة العاملة من الشعب لم تكن تفرح في العطلة الرسمية إلا لأجل الراحة بعد العمل المتواصل لستة أيام بالأسبوع لتصبح خمسة في ظل الوريث ما أكسب الشعب شيئا من آدميته.
إن التفتيش بالأحداث التي جرت في الأعوام السابقة حالة تلقائية تثيرها النفس عمَّا مرّ عليها من أحداث وقعت في التاريخ ذاته من كل عام على مبدأ (حدث في مثل هذا اليوم) لكنها بالنسبة إلى السوري باتت مرتبطة بقاموس الحرب وأبوابه، فبالأمس القريب كانت الذكرى السادسة لمجزرة نهر قويق في مدينة حلب التي وقعت في 29/1/2013 عندما استيقظ سكان المدينة بشقها الشرقي على أكثر من 200 جثة لمدنيين كانت أسماؤهم داخل أدراج المغيبين لم يعترف النظام بوجودهم عنده،
ليغدوا ذاك اليوم ذكرى ثأر يورث من تاريخ جرائم النظام السوري.
وبتاريخ 15/1/2013 وقعت مجزرة كلية العمارة في جامعة حلب جراء إطلاق طائرات النظام صاروخين على الكلية راح ضحيتها 86 طالبًا وجرح أكثر من 160 في أول أيام الامتحانات.
وليس بعيداً عن جرائم القتل التي تفنن بها النظام كانت جريمة التهجير الممنهجة أكثر خبثاً وغدراً وأكثرها وجعاً على السوريين المهجرين من بيوتهم وأرضهم وعن أهلهم وذويهم، ففي 31 /1/2016 انطلقت حافلات النقل الداخلي أو ما تعرف باسم “الباصات الخضراء أيقونة التهجير” من منطقة وادي بردى في دمشق وقبلها من حلب وحمص وباقي المدن السورية، لتدور عجلة الحياة وتدور معها الجرائم المتأصلة في النظام.
بتسلسل زمني سريع تراكمت الأحداث والمجازر في شهر واحد وكبلته بالمواجع؛ وربما أشد الجرائم على السوريين كانت منذ 2011 حتى اليوم، إذ يكاد لا يخلو يوم من ذكرى مجزرة أو قصف راح ضحيته العشرات من الأبرياء، أو نزوح وتهجير أو حصار وتجويع وغيره من الأساليب التي مورست بحق الآلاف من الشعب السوري.
أما اليوم ومع بداية الشهر الثاني تأتي الذكرى الأكثر دموية وإجرام في تاريخ سورية الحديث والتي بعد 37 عامًا لاتزال مدينة حماة تبكي أهلها وشبانها بصمت كما ودعتهم آنذاك بصمت وسط تغافل عيون المجتمع الدولي، ففي صبيحة يوم 2/2/1982 استيقظ سكان المدينة بعد أن تم عزلهم عن العالم على دكِّ الأسد الأب وشقيقه المدينة بالطيران والمدفعية والدبابات، ليتم اجتياحها وتدمير أكثر من ثلثها، بحمله همجية استمرت 27 يوماً خلفت وراءها مقتل قرابة أربعين ألف مدني واختفاء الآلاف وتدمير لأحياء بأكلمها.
بهذا السجل الحافل من الجرائم الذي يطول سرده ويصعب ضمن مقال صغير يتذكر السوريون مناسباتهم منذ نصف قرن سيبقى شاهداً على إجرام النظام السوري وخبث صنيعه، وبالنهاية مات الأسد الأب وبقيت حماة وسينتهي الأسد الابن وتبقى سورية، والبقاء للشعوب والحرية.
يوماً بيوم، ولحظة بلحظة وثق السوريون آلامهم وما يزالون، وسيوثقوا إنجازاتهم ويحتفلوا بها كأي شعب حرّ يتغنى بمناسباته الوطنية ويعيشها لأجل ذكراها لأنها ذاته وهو من صنعها بصبره وتضحياته..