منيرة بالوش |
غرد ترامب بالأمس .. فحلّقت الصواريخ الأمريكية والفرنسية والبريطانية فوق سماء دمشق، لتضرب عدة مواقع ومطارات عسكرية. الصواريخ استهدفت، كما كان متوقعا، مركزاً للبحوث يعتقد أنه يتم فيه تطوير السلاح الكيماوي، وبعض المنشآت العسكرية كمطار المزة والضمير، وعدة مواقع في كل من درعا وحمص.
بيد أنَّ المخابرات الروسية أعلمت الأسبوع الماضي نظام بشار الأسد بالأهداف المتوقعة للضربات الجوية والصاروخية المحتملة، وبناءً عليه تم إخلاء القواعد والمطارات العسكرية التي استهدفت حسب ما أكده المرصد السوري،مع الحرص على عدم المساس بأي قواعد روسية.
وهكذا تمخض الجبل عن فأر، وباتت كواليس المسرح مكشوفة، وانتهى العَرض بأقل الخسائر الممكنة، وأُسدلت الستارة على جريمة الكيماوي على مرأى العالم وسمعه، وإلى أن يتم استخدام الكيماوي مرة أخرى نلقاكم مجدداً ..
هكذا كان لسان حال المجتمع الدولي، إذ بيَّض صفحته أمام الجميع، وأوهم المنظمات الحقوقية أنه ما وقف متفرجاً حيال جرائم الأسد التي لم يغضبه منها سوى استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية، فكان ردُّ الفعل على أداة الجريمة وليس على الجريمة ذاتها، فمنذ سبع سنوات والنظام يستخدم أعتى الأسلحة الفتاكة والبراميل المتفجرة والصواريخ بأنواعها، ولم تثرْ كلُّ تلك الفظائع حفيظة المجتمع الدولي باستثناء تنديدات خجولة، فما الذي تغير خاصةً أنها ليست المرَّة الأولى التي استخدم فيها السلاح الكيماوي؟!
إن عدد الضحايا الذين قضوا جراء القصف بمواد كيماوية وصل إلى أربعة آلاف، بينما وصلت ضحايا الحرب بالأسلحة الأخرى إلى مئات الآلاف، أي أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست معنية بالأطفال السوريين الذين اختنقوا بغازات سامة، فلو كان قلبُها على الأطفال والمدنيين ماكانت صمتت عن الآلاف من الشهداء والجرحى، وعن المدن التي دُمرت عن بكرة أبيها وأصبحت خاوية على عروشها، وعن حملات التهجير الممنهجة التي غيرت تاريخ شعب وهجرته وشردته، فكل هذه الكوارث لم تلقِ لها بالاً إلا استخدام الكيماوي، فهم حريصون عليه أكثر من حرصهم على ضحاياه!!